الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

التواضع من صفات عباد الرحمن


بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته



التواضع من صفات عباد الرحمن
قال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). فالتواضع خلق حميد والإسلام يدعو إلى التواضع والتسامح ويمقت الكبر والمتكبرين قال تعالى (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) -سورة القصص 83-.فالصفة الأولى لعباد الرحمن أنهم يمشون على الأرض هونا برفق وتواضع لأنه مهما أعجب المرء بنفسه واختال في مشيته فلن يخرق الأرض بتكبره ولن يبلغ الجبال طولا بتعاظمه قال تعالى (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها) -الإسراء 37-.حتى المشية لها نصيبها من العبودية ولها حظها من الشرف، فالله عز وجل يعلمنا إياها لأنها تعبير عنها يدور في نفس صاحبها.والقرآن الكريم وهو يطلب منا أن يكون مشينا هينا إنما يقصد بالأحرى أن تكون النفوس هينة لينة هادئة سمحة لا متكبرة ولا متكلفة قال تعالى (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك).فالله بعزته وجلاله يريد من عبده أن يكون متواضعا لا متكبرا قال تعالى: (وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) سورة الجاثية.وبعد التواضع ومعرفته لا بد من معرفة ضده وهو الكبر وأنواعه وأقسامه وكيف نتعامل مع المتكبر وما علاج الكبر.
1ـ تعريف الكبر: هو دفع الحق ورده وعدم قبوله واحتقار الناس وازدرائهم. قال صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر).
أنواع الكبر: الكبر نوعان، باطن وظاهرالباطن: خلق في نفس الإنسان حيث يرى نفسه فوق الناس فنفسه الخبيثة جعلته يحتقر الناس وهذا الصنف عدو لنفسه وقال عنه رب العالمين (إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم).الكبر الظاهر: هو الذي يفيض ظلامه على سلوك المرء ففجأة تجده تغير بعد أن كان إنسانا عاديا لا يلقي السلام على عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله تبارك وتعالى وهو عليه غضبان) رواه الطبراني في الكبير.
أقسام الكبر:1ـ تكبر على الله وهو أفظع أنواع الكبر كما قال النمرود أنا أحيي وأميت، وفرعون عندما قال أنا ربكم الأعلى.2ـ تكبر على رسل الله (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم).3ـ تكبر على خلق الله، كتكبر الجار على جاره والرئيس على مرؤوسه.قال أبو حامد الغزالي إذا أراد المتكبر علاجا فعليه أن ينظر إلى ما فيه من أسباب التواضع قبل أن ينظر إلى ما فيه من أسباب الكبرياء، ويقول رضي الله عنه يمشي الإنسان والرجيع في أمعائه والبول في مثانته والمخاط في أنفه والوسخ في أذنه والصندان تحت إبطه وقد خلق من أقذار وسكنت في بطنه أقذار وبعد موته يصير جيفة قذرة. فعلام التكبر يا مسكين.إن كان غرك المال فأنت لست أغنى من قارون ما نفعه ماله وما عنه أغنى وإن كان غرك الحكم فالحكم لا يدوم قال كسرى لابنه (لو دام الملك لغيرنا ما وصل إلينا).قال ابن القيم رحمه الله للتواضع ثلاث درجات:الدرجة الأولى: التواضع للدين، وهو أن لا يعارض بمعقول منقولاً ، ولا يتهم للدين دليلاً، ولا يرى إلى الخلاف سبيلاً. والتواضع للدين: هو الانقياد لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والاستسلام له والإذعان.الدرجة الثانية: أن ترضى بما رضي الحق به لنفسه عبداً من المسلمين أخاً، وأن لا ترد على عدوك حقاً، وأن تقبل من المعتذر معاذيره. و معنى: أن لا ترد على عدوك حقاً: أي لا تصح لك درجة التواضع حتى تقبل الحق ممن تحب وممن تبغض، فتقبله من عدوك، كما تقبله من وليك.الدرجة الثالثة: أن تتضع للحق، فتنزل عن رأيك وعوائدك في الخدمة، ورؤية حقك في الصحبة، وعن رسمك في المشاهدة. وحاصل ذلك: أن تعبد الحق سبحانه بما أمرك به على مقتضى أمره لا على ما تراه من رأيك، وألا يكون باعثك على العبودية مجرد رأي وموافقة هوى ومحبة وعادة، بل الباعث مجرد الأمر. والرأي والمحبة والهوى والعوائد منفِّذة تابعة لا أنها مطاعة باعثة. وأما نزوله عن رؤية حقه في الصحبة فمعناه: أن لا يرى لنفسه حقاً على الله لأجل عمله فمتى رأى لنفسه عليه حقاً فسدت الصحبة.


التواضع في القرآن والحديث

بسم الله الرحمان الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته





التواضع في القرآن والحديث


>الآيات الواردة في معنى التواضع:
(1) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ {159}
(2) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {54}
(3) لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ {88}
(4) وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً {37}
(5) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً {63}
(6) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {215}
(7) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {18}




قالــوا فـي التواضــع

بسم الله الرحمان الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته



قال أبو بكــر الصديق رضي الله عنـــه: "وجدنا الكرم في التقوى، والغنى في اليقين، والشرف في التواضع".
*عن عبيد الله بن عدي أن عمر بن الخطاب قال: (إن الرجل إذا تواضع لله رفع الله حكمته، وقال: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه صغير، وفي أعين الناس كبير، وإذا تكبر العبد وعدا طوره وهصَه الله إلى الأرض، وقال: اخسأ! أخسأك الله، فهو في نفسه كبير، وفي أعين الناس صغير).وهذه امرأة ترد على عمر .. فيصوب قولها ويعلن تراجعه عن رأيه رضي الله عنه كما جاء في السير في القصة المعروفة والمشهورة عن تحديد المهور.
بل إنه يُروى أن رجلاً قال له: لو زللت لقومناك بسيوفنا، فقال عمر رضي الله عنه: الحمد لله الذي جعل من يقوم عمر بسيفه.
قال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ينبغي لك هذا. فقال: (لما أتاني الوفود سامعين مطيعين - القبائل بأمرائها وعظمائها - دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها).
***وقال عبد الله بن مسعود رضي اللــه عنه: "إن من التواضع الرضا بالدون من شرف المجلس، وأن تُسَلِّم على من لقيت".
***وسُئِلَ الفضيل بن عياض رحمه الله عن التواضع فقال: "أن تخضع للحق وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته".
***وقال أبو علي الجوزجاتي: "النفس معجونة بالكبر والحرص والحسد، فمن أراد الله تعالى هلاكه منع منه التواضع والنصيحة والقناعة".
مر بعض المتكبرين على مالك بن دينار، وكان هذا المتكبر يتبختر في مشيته فقال له مالك: أما علمت أنها مشية يكرها الله إلا بين الصفين؟ فقال المتكبر: أما تعرفني؟ قال مالك: بلى، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة، فانكسر وقال: الآن عرفتني حق المعرفة.
كان شيخ المحدّثين أبو موسى المدينيّ يقرِئ الصبيانَ الصغار القرآن في الألواح مع جلالةِ قدرِه وعلوِّ منزلته.
قال بشر بن الحارث: "ما رأيتُ أحسنَ من غنيّ جالسٍ بين يدَي فقير".
قال الشافعي رحمه الله: "أرفعُ الناس قدرًا من لا يرى قدرَه، وأكبر النّاس فضلاً من لا يرى فضلَه"[أخرجه البيهقي في الشعب (6/304)].
قال عبد الله بن المبارك: "رأسُ التواضعِ أن تضَع نفسَك عند من هو دونك في نعمةِ الله حتى تعلِمَه أن ليس لك بدنياك عليه فضل [أخرجه البيهقي في الشعب (6/298)].
قال سفيان بن عيينة: من كانت معصيته في شهوة فارج له التوبة فإن آدم عليه السلام عصى مشتهياً فاستغفر فغفر له، فإذا كانت معصيته من كبر فاخش عليه اللعنة. فإن إبليس عصى مستكبراً فلعن.
كان علي بن الحسن يقول: عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفة، وعجبت كل العجب لمن شك في الله وهو يرى خلقه، وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأولى، وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء .
***سأل الحسن: أتدرون ما التواضع؟ قالوا: ما هو؟ قال: "التواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً".
**** ويُقال: "ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة".
ويقول الشاعر:
الكبـر ذل والتواضـع رفعـة *** والمزح والضحك الكثير سقوط
والحـرص فقرٌ والقنـاعة عزة *** واليـأس من صنع الإله قنوط
وقال آخر:
وأقبح شيء أن يرى المرء نفسه *** رفيعـاً وعند العالمين وضيع
تواضـع تكن كنجم لاح لناظـر *** على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تكن كـالدخان يعلو بنفسـه *** على طبقات الجو وهو وضيع
وقال آخر:
تواضع إذا ما نلت في القوم رفعة فإن رفيع القوم من تواضعا
* قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر، ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة لكان الواجب عليه أن لا يتزيا بغيره.
والتواضع تواضعان: أحدهما محمود، والآخر مذموم. والتواضع المحمود: ترك التطاول على عباد الله، والإزراء بهم. والتواضع المذموم: هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه.
فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها، ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها.
* قال أبو حاتم رضي الله عنه: التواضع يرفع المرء قدراً ويعظم له خطراً، ويزيده نبلاً.
(الحث على لزوم العقل وصفة العاقل اللبيب)
* عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب مكارم الأخلاق، ويكره سفسافها).
قال أبو حاتم: لست أحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خبراً صحيحاً في العقل.
وإن محبة المرء المكارم من الأخلاق وكراهته سفسافها هو نفس العقل. فالعقل به يكون الحظ، ويؤنس الغربة، وينفي الفاقة، ولا مال أفضل منه، ولا يتم دين أحد حتى يتم عقله.
والعقل: اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب، والعلم باجتناب الخطأ، فإذا كان المرء في أول درجته يسمى أديباً، ثم لبيبا، ثم عاقلا، كما أن الرجل إذا دخل في أول حد الدهاء قيل له: شيطان، فإذا عتا في الطغيان قيل: مارد، فإذا زاد على ذلك قيل: عبقري، فإذا جمع إلى خبثه شدة شر قيل: عفريت وكذلك الجاهل، يقال له في أول درجته: المائق، ثم الرقيع، ثم الأنوك، ثم الأحمق.
ذكر الحث على لزوم الحلم عند الغضب
أنشد عبد العزيز بن سليمان الأبرش قائلاً:
احفـظ لسانـك إن لقيت مشاتما *** لا تجريـن مـع اللئيـم إذا جـرى
من يشتري عرض اللئيم بعرضه *** يحوي الندامة حين يقبض ما اشترى
عن ابن رستم قال: سمعت ابن المبارك يقول: دعانا عبد الله بن عون إلى طعامه، فكنا نأكل، فجاءت الخادم ومعها صحفة فعثرت في ثوبها، فسقطت الصحفة من يدها فقال لها ابن عون: مترس آزادي.
قال محمد بن السعدي لابنه عروة، لما ولى اليمن: إذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك، وإلى الأرض تحتك، ثم عظم خالقهما.
قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل، إذا غضب واحتد أن يذكر كثرة حلم الله عنه مع تواتر انتهاكه محارمه وتعديه حرماته، ثم يحلم، ولا يخرجه غيظه إلى الدخول في أسباب المعاصي.
والناس على ضروب ثلاثة: رجل أعزّ منك، ورجل أنت أعزّ منه، ورجل ساواك في العز؛ فالتجاهل على من أنت أعزّ منه لؤم، وعلى من هو أعز عنك جنف، وعلى من هو مثلك هراش كهراش الكلبين، ونقار كنقار الديكين، ولا يفترقان إلا عن الخدش والعقر والهُجر، ولا يكاد يوجد التجاهل وترك التحالم إلا من سفيهين ولقد أحسن الذي يقول:
مـا تم حلم ولا علـم بلا أدب *** ولا تجاهل في قوم حليمان
وما التجاهل إلا ثوب ذي دنس *** وليس يلبسه إلا سفيهـان
والأفضل من ذلك كله قول ربنا عز وجل:
(فبما رحمت من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك).
(ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا)
(وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)
(واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين).