الجمعة، 4 مارس 2022

حقوق الجار

 

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله   


 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.. وبعد:


الله سبحانه ذكر الإحسان إلى الجار بعد ذكر عبادته وحده لاشريك له، وبعد ذكر حقوق الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، ممّا يدل على عظم هذه الحقوق وتأكيدها، قال تعالى{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [النساء: 36].

قال ابن عباس رضي الله عنه: " {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} يعني الذي بينك وبينه قرابة{الْجَارِ الْجُنُبِ} الذي ليس بينك وبينه قرابة".

والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالجار، وبين أنّ ذلك إنّما هو بأمر الله عز وجل فقال صلى الله عليه وسلم«ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنّه سيورثه» [متفق عليه]. أي: حتى ظننت أنّه سيجعل له نصيباً من الميراث ويدخله في جملة الورثة.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره» [متفق عليه].

حد الجوار:
يطلق وصف الجار على من تلاصق داره دارك، وعلى غير الملاصق إلى أربعين داراً، وقد سئل الحسن البصري عن الجار فقال: "أربعين دارا أمامه وأربعين خلفه وأربعين عن يمينه وأربعين عن يساره". (الأدب المفرد).

وروي عن علي رضي الله عنه أنّ من سمع النداء فهو جار.

وقيل: إنّ من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار.

وقد جعل الله عز وجل الاجتماع في المدينة جواراً، قال تعالى{لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً} [الأحزاب: 60] ممّا يدل على أنّ حد الجوار أكبر من ذلك.

من حقوق الجار:
1- أن يسمح الرجل لجاره بغرز خشبه في جداره، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال«لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره. ثم يقول أبو هريرةما لي أراكم عنها معرضين؟! والله لأرمين بها بين أكتافكم» [متفق عليه].

وجمهور العلماء حملوه على الندب والاستحباب وبر الجار والتجاوز له والإحسان إليه، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم«لايحل مال امرىء مسلم إلّا عن طيب نفس منه» [صححه الألباني].

2- أن يتعاهد جيرانه ويطعمهم من طعامه إن رأوه أو شموا رائحته، ويطفئ جوعهم إن علم بذلك وقدر عليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له«يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك» [رواه مسلم].

وروت عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها«ليس المؤمن بالذي يشبع؛ وجاره جائع إلى جنبه» [حسنه الألباني].

3- أن يقدم الجار الأقرب في الهدية مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لما سألته : "يا رسول الله إنّ لي جارين، فإلى أيّهما أهدي؟"، قال«إلى أقربهما منك بابا» [رواه البخاري].

والحكمة في ذلك أنّ الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوق لها، بخلاف الأبعد، كما أنّ الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المهمات ولا سيما في أوقات الغفلة.

كما أنّه على المهدى له أن لا يستقله ويحتقره وإن كان قليلاً ولأجل كل ذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه«يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» [متفق عليه].
والفرسن: عظم قليل اللحم، وهو خف البعير كالحافر للدابة.

4- أن يعينه إذا استعان به.

5- أن يقرضه إذا استقرضه.

6- أن يعوده إذا مرض.

7- أن يهنئه إذا أصابه خير.

8- أن يعزيه إذا أصابته مصيبة.

9- أن يتبع جنازته إذا مات.

10- أن لا يستطيل عليه بالبنيان فيحجب عنه الريح إلّا بإذنه.

11- إن اشترى فاكهة فليهد له منها.

قال الغزالي"اعلم أنّه ليس حق الجوار كف الأذى فقط بل احتمال الأذى، ولايكفى احتمال الأذى بل لابد من الرفق وإسداء الخير والمعروف".

مراتب الجــيــــــران:
1- جار له حق واحد وهو المشرك له حق الجوار.

2- وجار له حقان وهو الجار المسلم له حق الجوار وحق الإسلام.

3- وجار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم له رحم له حق الجوار وحق الإسلام وحق القربى.

وأمّا من حيث القرب فالجار إمّا أن يكون قريباً منك وإمّا بعيداً، ملاصقاً أو غير ملاصق، ورتبة هؤلاء تتفاوت من حيث عدد الحقوق ومدى القرب، والجار الأقرب يُقَدم على الجار الأبعد، وهو ما استشعره علماء الإسلام، فهذا الإمام البخاري نجده يبوب في كتابه (الأدب المفرد) (باب الأدنى فالأدنى من الجيران)، وذلك تنبيهاً على قدره، ويترتب عليه حسن المعاملة والوقوف بجانبه واجتناب أذيته، وهذا من شأنه أن يكفل التعايش بين النّاس في طمأنينة بسبب استشعار هذا البعد الديني في المعاملات، وتحقيق الرحمة التي جاء بها الإسلام، وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يسمي نفسه بها، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال«أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة» [رواه مسلم].

حقوق الجار غير المسلم:
اعتنت الشريعة الإسلامية الغراء بحقوق غير المسلمين، ومعلوم أنّ الذين يحظون بكل هذه العناية هم الذين لا يؤذون جماعة المسلمين، ولا يكيدون لهم كيداً، ولا يناصبونهم العداء، ولهم ذمة.

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في حسن تعامله مع جيرانه من غير المسلمين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له«أسلم»، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: "أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول«الحمد لله الذي أنقذه من النّار» [رواه البخاري].

وهذا عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - وقد ذبح شاة نجده يقولأهديتم لجاري اليهودي؟؛ فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول«مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه» [رواه البخاري].

فالخلاف في الدين لا يوجب ظلم النّاس، والمحافظة على حقوقهم مع اختلاف العقيدة ما داموا ملتزمين بواجباتهم.

النتائج والثمرات:
1- هي سبب في تعمير الديار لما يحس به المرء من راحة البال بجوار جاره، قال النبي صلى الله عليه وسلم«إنه من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم، وحسن الخلق وحسن الجوار يعمر الديار، ويزيدان في الأعمار» [صححه الألباني].

2- يقبل الله عز وجل شهادة جيرانه في حقه بالخير ويغفر له ما لا يعلمون وفي ذلك روى أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال«ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أبيات من جيرانه الأدنين إلّا قال: قد قبلت فيه علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون» [قال الألباني حسن لغيره].

3- هي سبب رفع منزلته في الدنيا لأنّ الإحسان إلى الجار والكف عن أذيته من مكارم الأخلاق التي تعد شرطاً في المروءة.

4- هي سبب رفع منزلته عند الله عز وجل. وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«خير الأصحاب عند الله عز وجل خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» [صححه الألباني].

5- هي سبب سعادة المرء، وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم«أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء» [صححه الألباني].

كيف أكسب جاري؟
ما نراه اليوم من جفوة بين الجيران وخصومات وسوء عشرة وعداوة في بعض الأحيان ما هو إلّا نتاج الإهمال والتفريط فهذه وسائل وطرق شرعية تحفظ دفئ العلاقات بين الجيران منها:
1- كف الأذى وبذل الندى.

2- البدء بالسلام.

3- طلاقة الوجه.

4- المواساة في الشدة.

5- احترام الخصوصيات.

6- قبول الأعذار بالمسامحة والرفق واللين.

7- النصح برفق ولين.

8- الستر وترك التعيير.

9- الزيارة في الأوقات المناسبة.

10- المجاملة اللطيفة.

الترهيب من الإساءة إلى الجار:
لاشك أنّ الأذية للجار أعظم من أذية غيره، وكلما كانت أكبر كانت أعظم حتى قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه«لأن يزني الرجل بعشر نسوة؛ أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره»، قال«ما تقولون في السرقة؟»، قالوا: "حرمها الله ورسوله، فهي حرام". قال«لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات؛ أيسر عليه من أن يسرق من جاره» [صححه الألباني].

وفي حقهم قال صلى الله عليه وسلم«ثلاث هن العواقر: إمام إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر وجار إن رأى خيرا دفنه وإن رأى شرا أشاعه وامرأة إن حضرتك آذتك وإن غبت عنها خانتك» [ضعفه الألباني].

ومن كان متصفاً بهذه الصفات السيئة لزم أن يكون ناقص الإيمان إن لم يكن عديمه وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن»، قيل: "ومن يا رسول الله؟"، قال«الذي لا يأمن جاره بوائقه» [رواه البخاري].

وفي هذا الحديث تأكيد لحق الجار، لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتكريره اليمين ثلاث مرات، وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل حسب ظاهر الحديث. وقد ح مله كثير من العلماء على أنّ مراده نفي كمال الإيمان ولا شك أنّ العاصي غير كامل الإيمان.

عاقبة الإساءة إلى الجار:
1- عدم حمد أحد سلوكه في الدنيا، وتشكي النّاس من سوء فعاله كما في الحديث الذي اشتكى فيه أحدهم من سوء معاملة جاره له. وفي وصية لقمان لابنه، قال: "يا بني، حملت الجندل و الحديد فلم أر شيئاً أثقل من جار سوء وذقت المرار كله فلم أر شيئاً أمر من الفقر". [رواه ابن أبي شيبة والبيهقي].

2- انتشار سوء الجوار من علامات الساعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«إن الله يبغض الفحش والتفحش، والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يخون الأمين ويؤتمن الخائن حتى يظهر الفحش والتفحش وقطيعة الأرحام وسوء الجوار...» [ضعفه الألباني].

3- أول الخصوم يوم القيامة هم الجيران لعظم الذنب المقترف في حقهم واستهانة النّاس بهم. رسول الله صلى الله عليه وسلم قال«أول خصمين يوم القيامة: جاران» [حسنه الألباني].

4- العذاب بالنّار إلّا أن يتغمده الله برحمته، عن أبى هريرة رضي الله عنه أنّه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم:إنّ فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم«لا خير فيها، هي من أهل النّار» [رواه البخاري في الأدب المفرد]

الأخوة الصادقة

 








  لا تُعَـيِّــرني 

  1. فإنِّي مُسلِمٌ مِثلك .
لا يَعيبُني طُولُ قامتي أو قِصَرُها ، ولا نحافةُ جِسمي أو ضَخامتُه .
لا يَعيبُني سَوادُ لوني ، ولا فُقدانُ بصري ، ولا بَترُ أحدِ أعضاءِ جِسمي .
. فلا تُعَـيِّـرنـي ..
إذا كنتُ فقيرًا ، فقـد يكونُ الفقرُ خيرًا لي مِن مالٍ يُطغيني .
وإذا كنتُ مريضًا ، فقـد يكونُ المرضُ سببًا في تقرُّبي إلى اللهِ تعالى ، وكثرةِ دُعائي له .
▫وإذا كُنتُ عقيمًا ، فقـد يكونُ هـذا ابتلاءً مِنَ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ – يُثيبُني إذا صبرتُ عليه ورَضيتُ بما قَسَمَهُ لي .. فلا تُعَيِّرني بشئٍ ليس لي يَدٌ فيه .
لا تُناديني بلَقَبٍ لا أُحِبُّه .
ولا تُعَيِّرني بذنبِ غيري ، كآبائي أو أجدادي أو أحدِ أقربائي ، بل لا تُعَيِّرني بذنبٍ فعلتُهُ وتابَ اللهُ عليَّ منه ..
واعلم أنَّ اللهَ تعالى قادِرٌ على أنْ يبتلِيَكَ بما ابتلاهُ به ، وقادِرٌ على أنْ يجعلَ الناسَ يُعَيِّروكَ بشئٍ فيكَ قـد تكونُ غافِلاً عنه ، وهو سُبحانه قادِرٌ على أنْ ينتقِمَ لهُ مِنك ..
وقـد قيل : سعادةُ المَرءِ أنْ يَشتغِلَ بعُيوبِ نَفْسِهِ عن عيوبِ غيرِهِ .
وأخيــرًا ، أقولُ لَكَم : إذا رأيتَ مُبتلَىً بشئٍ في نَفْسِهِ أو في أهلِهِ ، فلا تُعَيِّره بذلك ، بل ادعُ له ، واحمد اللهَ تعالى على ما أنتَ فيه مِنَ النّعم ، فقـد يكونُ ما أنتَ فيه مِن صِحَّةٍ وغِنَىً وجاهٍ وغيره ابتلاءً واختبارًا مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ .
واذكُـر قولَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( مَن رأى منكم مُبتَلَىً فقال : الحمدُ للهِ الذي عافاني مِمَّا ابتلاكَ به ، وفَضَّلني على كثيرٍ مِمَّن خَلَقَ تفضيلاً ، لم يُصبه ذلك البَلاء )) رواه الترمذيُّ وصَحَّحه الألبانيُّ .
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك ..

الخميس، 23 يناير 2020

تفقد قلبك


بسم الله الرحمان الرحيم 
          
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


تفقد قلبك
القلب هو ملك الأعضاء في الإنسان , وإذا ما طاب الملك وصلح طابت وصلحت رعيته، وإذا ما فسد الملك فسدت رعيته , ويوم القيامة تتميز القلوب التقية النقية فتصبح هي الأعلى والأسمى والأغلى , قال تعالى : \" يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) سورة الشعراء , وقال : \" وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) سورة ق.
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ، وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ: إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ ، لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى ، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ.أخرجه \"أحمد\" 4/269(18558) و\"البُخَارِي\" 1/20(52) و\"مسلم\"5/50(4101).
قال ابن رجب رحمه الله تعليقا على ذلك \" ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كلمة جامعة لصلاح حركات ابن آدم وفسادها؛ وأن ذلك كله بحسب صلاح القلب وفساده، فإذا صلح القلب صلحت إرادته، وصلحت جميع الجوارح؛ فلم تنبعث إلا إلى طاعة الله واجتناب سخطه، فقنعت بالحلال عن الحرام. وإذا فسد القلب فسدت إرادته، ففسدت الجوارح كلها؛ وانبعثت في معاصي الله عز وجل وما فيه سخطه، ولم تقنع بالحلال؛ بل أسرعت في الحرام بحسب هوى القلب وميله عن الحق \". فتح الباري 1/208 .
قال أبو هريرة رضي الله عنه : القلب ملك ، والأعضاء جنوده ، فإذا طاب الملك طابت جنوده ، وإذا خبث الملك خبثت جنوده .
وقال ابن تيمية : فَإِنَّ الْقَلْبَ هُوَ الْمَلِكُ وَالْأَعْضَاءُ جُنُودُهُ . وَهُوَ الْمُضْغَةُ الَّذِي إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ .مجموع الفتاوي 2/6.
قال تعالى :\" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) سورة الفتح .
فالمرء يوزن عند الله عز وجل بقلبه لا بجسمه، قال يحيى بن معاذ رحمه اله: القلوب كالقدور في الصدور تغلي بما فيها، ومغارفها ألسنتها، فانتظر الرجل حتى يتكلم فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه من بين حلو وحامض، وعذب وأجاج، يخبرك عن طعم قلبه اغتراف لسانه. رواه أبو نعيم في الحلية10/63.
وإذا تراكمت سحب المعاصي على القلب جبت السحب نور الإيمان في القلب ,كما تحجب السحابة الكثيفة نور القمر عن الأرض،فإذا انقشعت السحب ظهر نور القمر لأهل الأرض مرة أخرى, كذلك إذا انقشعت سحب المعاصي والذنوب عن القلب ظهر نور الإيمان في القلوب،فلا بد من تعهد القلب، ولابد من تجديد الإيمان في القلب وزيادته من آن لآخر .
عَنْ أبِي مُوسَى ، قال : قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبهِ ، إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ ، يُقَلِّبُهَا الرًّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ. أخرجه أحمد 4/408 حديث رقم : 2365 في صحيح الجامع .
والعاقل هو من يتفقد قلبه ويتعاهده دائماً ويختبر قوة ثابتة على الطاعة والإيمان , عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ ، قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لاَ أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالإِثْمِ إِلاَّ سَأَلْتُهُ ، فَأَتَيْتُهُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْتَفْتُونَهُ ، فَجَعَلْتُ أَتَخَطَّاهُمْ ، فَقَالُوا : إِلْيَكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ : دَعُونِي أَدْنُوَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ ، قَالَ : دَعُوا وَابِصَةَ ، ادْنُ يَا وَابِصَةُ ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ ، وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ ، وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى النَّفْسِ ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ ، ثَلاَثًا.أخرجه أحمد 4/228(18164) و\"الدارِمِي\" 2533 رقم : 2881 في صحيح الجامع .
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه\" : مَن أحب أن يعلَم أصابتْه الفتنة أوْ لا : فلينظر ، فإن رأى حلالاً كان يراه حراماً ، أو يرى حراماً كان يراه حلالاً : فليعلم أن قد أصابته\" . رواه ابن أبي شيبة في \" المصنف \" ( 15 / 88 ) .
دَخَلَ أَبُو مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه عَلَى حُذَيْفَةَ ، فَقَالَ : اعْهَدْ إِلَىَّ !! فَقَالَ لَهُ : أَلَمْ يَأْتِكَ الْيَقِينُ ؟ قَالَ : بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّى !! قَالَ : فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّلاَلَةَ حَقَّ الضَّلاَلَةِ ، أَنْ تَعْرِفَ مَا كُنْتَ تُنْكِرُ ، وَأَنْ تُنْكِرَ مَا كُنْتَ تَعْرِفُ ، وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنِ فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِدٌ !! . رواه عبد الرزاق في مصنفه 11/249.
وقال الحسن البصري رحمه الله : تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة ، وفي الذكر ، وقراءة القرآن ، فإن وجدتم ، وإلا فاعلموا أن الباب مغلق .الرسالة القشيرية 102.
والقلوب أصناف وأنواع , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ قَلْبٌ أجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ وَقَلَبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلاَفِهِ وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ وَقَلَبٌ مُصْفَحٌ فَأَمَّا الْقَلْبُ الأَجْرَدُ فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ وَأَمَّا الْقَلْبُ الأَغْلَفُ فَقَلْبُ الْكَافِرِ وَأَمَّا الْقَلْبُ المَنْكُوسُ فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ وَأَمَّا الْقَلْبُ المُصْفَحُ فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَمَثَلُ الإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ فَأَىُّ الْمَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ.أخرجه أحمد 3/17(11146) السلسلة الضعيفة 1/17.
قَالَ حُذَيْفَةُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ ، عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْب أَنْكَرَهَا ، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفََا ، فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا ، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ. أخرجه أحمد 5/386(23669) و\"مسلم\" 1/89(286)انظر حديث رقم : 2960 في صحيح الجامع .
وقال صاحب غذاء الألباب : واعْلَمْ أَنَّ الْقُلُوبَ ثَلاثَةٌ : قَلْبٌ خَالٍ مِنْ الإِيمَانِ وَجَمِيعِ الْخَيْرِ فَذَلِكَ قَلْبٌ مُظْلِمٌ قَدْ اسْتَرَاحَ الشَّيْطَانُ مِنْ إلْقَاءِ الْوَسَاوِسِ إلَيْهِ ، لأَنَّهُ قَدْ اتَّخَذَهُ بَيْتًا وَوَطَنًا وَتَحَكَّمَ فِيهِ بِمَا يُرِيدُ ، وَتَمَكَّنَ مِنْهُ غَايَةَ التَّمَكُّنِ .
الثَّانِي قَدْ اسْتَنَارَ بِنُورِ الإِيمَانِ وَأَوْقَدَ فِيهِ مِصْبَاحَهُ ، لَكِنْ عَلَيْهِ ظُلْمَةُ الشَّهَوَاتِ وَعَوَاصِفُ الأَهْوِيَةِ ، فَلِلشَّيْطَانِ هُنَاكَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ ، وَمُجَاوَلاتٌ وَمَطَامِعُ ، فَالْحَرْبُ دُوَلٌ وَسِجَالٌ .
وَتَخْتَلِفُ أَحْوَالُ هَذَا الصِّنْفِ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْقَاتُ غَلَبَتِهِ لِعَدُوِّهِ أَكْثَرُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْقَاتُ غَلَبَةِ عَدُوِّهِ لَهُ أَكْثَرُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ تَارَةً وَتَارَةً .
الثَّالِثُ قَلْبٌ مَحْشُوٌّ بِالإِيمَانِ ، قَدْ اسْتَنَارَ بِنُورِ الإِيمَانِ ، وَانْقَشَعَتْ عَنْهُ حُجُبُ الشَّهَوَاتِ ، وَأَقْلَعَتْ عَنْهُ تِلْكَ الظُّلُمَاتُ ، فَلِنُورِهِ فِي صَدْرِهِ إشْرَاقٌ ، وَإِيقَادٌ لَوْ دَنَا مِنْهُ الْوَسْوَاسُ لأَدْرَكَهُ الاحْتِرَاقُ ، فَهُوَ كَالسَّمَاءِ الْمَحْرُوسَةِ بِالنُّجُومِ ، فَلَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ وَلا هُجُومٌ ، وَلَيْسَتْ السَّمَاءُ بِأَعْظَمَ حُرْمَةً مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّتِي حَرَسَهَا بِالنُّجُومِ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ ، فَكَمَا أَنَّ السَّمَاءَ مُتَعَبَّدُ الْمَلائِكَةِ الْكِرَامِ وَمُسْتَقَرُّ الْوَحْيِ السَّدِيدِ ، فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ مُسْتَقَرُّ التَّوْحِيدِ ، وَالإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَجِيدِ ، فَهُوَ حَرِيٌّ أَنْ يُحْرَسَ وَيُحْفَظَ وَيُبْعَدَ عَنْهُ الشَّيْطَانُ وَيُدْحَضَ ، قَدْ امْتَلأَ مِنْ جَلالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ ، وَمُرَاقَبَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ .
فَأَيُّ شَيْطَانٍ يَجْتَرِئُ عَلَى هَذَا الْقَلْبِ ، وَإِنْ أَرَادَ سَرِقَةَ شَيْءٍ مِنْهُ رَشَقَتْهُ الْحَرَسُ بِنَبْلِ الْيَقِينِ ، وَسِهَامِ الدُّعَاءِ ، وَمَنْجَنِيقِ الالْتِجَاءِ ، وَسُيُوفِ الْمَحَبَّةِ وَالْقُرْبِ ، وَرُبَّمَا ظَفِرَ مِنْهُ بِخَطْفَةٍ يَخْطَفُهَا أَوْ شُبْهَةٍ يَقْذِفُهَا عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ الْعَبْدِ وَغَيْرَةٍ فِيهِ فَيُشَبِّهُ لَهُ وَتَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ الْكَرَّةُ ، لأَنَّهُ بَشَرٌ ، وَأَحْكَامُ الْبَشَرِيَّةِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ . السفاريني الحنبلي: غذاء الألباب شرح منظومة الآداب 1/48.

وللقلب المريض أعراض تظهر عليه منها :
1 – النفور من الطاعات والأعمال الصالحة.
2 - إلف المعاصي والشهوات والإقبال عليها .
3 – نسيان ذكر الله تعالى وعدم خشيته.
5 – مصاحبة أهل السوء ومعاداة أهل الخير والحق.
ومريض القلب نوعان: نوع لا يتألم به صاحبه في الحال، وهو النوع المتقدم كمرض الجهل والشبهات والشكوك ومرض الشهوات وهذا النوع من أعظم النوعين آلمًا ولكن لفساد قلب صاحب لا يحس بالألم وعلاجه إلى الرسل وورثة الأنبياء فهم أطباء هذا المرض، والنوع الثاني: مرض مؤلم له في الحال؛ كالهم والحزن والغيظ وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية كإزالة أسبابه؛ لأن أمراض القلب التي تزول بالأدوية الطبيعية من جنس أمراض البدن وهذه قد لا توجب وحدها شقاءه وعذابه بعد الموت، وأما أمراضه التي لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية فهي التي توجب له الشقاء والعذاب الدائم إن لم يتداركها بأدويتها المضادة لها، فإذا استعمل الأدوية الإيمانية حصل الشفاء وهذه بعض الأدوية التي تعالج مرض القلوب وحتى يصل- بإذن الله- وينضم إلى القلوب السليمة.

وعلاج القلب له سبله وطرقه الكثيرة والتي منها :


1- المحافظة والمسارعة في أداء العبادات والفرائض :

فالحافظة على العبادات والمسارعة في أدائها يوقظ القلب من غفلته ويجدد فيه منابع الإيمان , كما أن المحافظة على أداء الفرائض التي فرضها الله تعالى حياة للقلب ونجاة له , فالصلاة تعلم المسلم الخشية والمراقبة من الله تعالى , قال تعالى :\" فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) سورة النور.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا في اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. أخرجه أحمد 2/439(9663) و\"البُخاري\" 1/168(660) و8/125(6479) و\"مسلم\" 3/93.
عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم : ثلاثةٌ يحبُّهم اللهُ عزّ وجلّ ، ويضحكُ إليهم ، ويستبشرُ بهم :الذي إذا انكَشَفتْ فئةٌ ؛ قاتلَ وراءَها بنفسِه لله عزّ وجلّ ، فإمّا أنْ يُقتلَ ، وإمّا أن يَنصُرَه اللهُ و يكفِيَه ، فيقولُ اللهُ : انظرُوا إلى عبدِي كيف صَبَرَ لي نفسَه؟! والذي له امرأة حسناء ، وفراش لين حسن ، فيقوم من الليل ، يذر شهوتَه ، فيذكُرني ويناجيني ، ولو شاءَ رقَدَ !والذِي يكونُ في سَفَرٍ ، وكانَ معَه ركْبٌ ؛ فسهِرُوا و نصِبُوا ثمّ هَجَعُوا ، فقامَ من السّحرِ في سرّاءَ أو ضرّاءَ . أخرجه الحاكم (1/25) ، والبيهقي ص 471 ـ472) السلسلة الصحيحة برقم 3478.
وتعظيم مناسك الحج وأداء شعائره كما ينبغي من تقوى القلوب , قال تعالى : \" ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) سورة الحج.
وتدبر القرآن مفتاح للقلوب , قال تعالى :\" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) سورة محمد .
ورأت فأرة جملا فأعجبها فجرت خطامه فتبعها فلما وصلت إلى باب بيتها وقف فنادى بلسان الحال إما أن تتخذي دارا تليق بمحبوبك أو محبوبا يليق بدارك وهكذا أنت إما أن تقبل على الله بقلب يليق به وإما أن تتخذ معبودا يليق بقلبك ، تعاهد قلبك فإن رأيت الهوى قد أمال أحد الحملين فاجعل في الجانب الآخر ذكر الجنة والنار ليعتدل الحمل فإن غلبك الهوى فاستعنت بصاحب القلب يعينك على الحمل فإن تأخرت الإجابة فابعث رائد الانكسار خلفها تجده عند المنكسرة قلوبهم مع الضعف أكثر فتضاعف ما أمكنك. بدائع الفوائد لابن القيم 3/754.
قال الحسن البصري : حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور، واقرعوا النفوس فإنها خليعة.
قال الشافعي :
إن كنت تغدو في الذنوب جليدا * * * وتخاف في يوم المعاد وعيدا
فلقد أتاك من المهيمن عفوه * * * وأفاض من نعم عليك مزيدا
لا تيأسن من لطف ربك في الحشا * * * في بطن أمك مضغة ووليدا
لو شاء أن تصلى جهنم خالدا * * * ما كان أَلْهمَ قلبك التوحيدا

2- الإكثار من ذكر الله عز وجل:

ذكر الله تعالى حياة للقلوب وطمأنينة لها , قال تعالى : \" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) سورة الأنفال .
وقال : \" الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) سورة الرعد.
فالقلب السليم يتغذى من ذكر الله بما يزكيه ويقويه ويؤيده ويفرحه ويسره وينشطه ويثبت ملكه، كما يتغذى البدن بما ينميه ويقويه، وكلٌّ من القلب والبدن محتاج إلى أن يتربى فينمو ويزد حتى يكمل ويصلح، فكما أن البدن محتاج إلى أن يزكو بالأغذية المصلحة له والحمية عما يضره فلا ينمو إلا بإعطائه ما ينفعه ومنع ما يضره، فكذلك القلب لا يزكو ولا ينمو ولا يتم صلاحه إلا بذكر الله، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِى. أَخْرَجَهُ الترمذي (2411).
سأل أحمد بن حنبل شيبان الراعي – وكان أميا - : ما تقول فيمن نسي صلاة من خمس صلوات في اليوم والليلة ، ولا يدري أي صلاة نسيها ، ما الواجب عليه : يا شيبان ؟! فقال شيبان : يا أحمد، هذا قلب غفل عن الله تعالى ، فالواجب أن يؤدب حتى لا يغفل عن مولاه بعدُ !! فغشي على أحمد .

3- مجاهدة القلب وتصفيته من العلل والأمراض :

من علاج القلوب مجاهدة القلب وتصفيته وتنقيته من العلل والأمراض التي تكون سببا في الطبع على القلب والطمس عليه , قال تعالى : \" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) سورة البقرة .
وقال سبحانه : \" وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) سورة المائدة .
وقال تعالى : \" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سورة المائدة .
فالتقوى محلها القلب , عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:الْمُسْلِمُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ ، دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يَخْذُلُهُ ، وَالتَّقْوَى هَا هُنَا ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْقَلْبِ ، قَالَ : وَحَسْبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ.أخرجه أحمد 3/491(16115) حديث رقم : 6706 في صحيح الجامع .
والقلب التقي النقي هو أقرب القلوب إلى الله تعالى , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو . قال:قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ ، صَدُوقِ اللِّسَانِ . قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ : هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ ، لاَ إِثْمَ فِيهِ ، وَلاَ بَغْيَ ، وَلاَ غِلَّ ، وَلاَ حَسَدَ. أخرجه ابن ماجة (4216) الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 2 / 669 .
عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، تَنْطُِفُ لِحْيَتُهُ مَاءً مِنْ وَضُوئِهِ ، مُعَلِّقٌ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ مَرْتَبَتِهِ الأُولَى ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ مَرْتَبَتِهِ الأُولَى ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، تَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَقَالَ : إِنِّي لاَحَيْتُ أَبِي ، فَأَقْسَمْتُ أَنْ لاَ أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَحِلَّ يَمِينِي فَعَلْتَ ، فَقَالَ : نَعَمْ، قَالَ أَنَسٌ : فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُحَدِّثُ : أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ لَيْلَةً ، أَوْ ثَلاَثَ لَيَالٍ ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ بِشَيْءٍ ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا انْقَلَبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللهَ وَكَبَّرَ ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ ، فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ، قَالَ عَبْدُ اللهِ : غَيْرَ أَنِّي لاَ أَسْمَعُهُ يَقُولُ إِلاَّ خَيْرًا ، فَلَمَّا مَضَتِ الثَلاَثُ لَيَالٍ كِدْتُ أَحْتَقِرُ عَمَلَهُ ، قُلْتُ : يَا عَبْدَ اللهِ ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي غَضَبٌ وَلاَ هَجْرَةٌ ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول لك ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فِي ثَلاَثِ مَجَالِسَ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ تِلْكَ الثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَأَرَدْتُ آوِي إِلَيْكَ ، فَأَنْظُرَ عَمَلَكَ ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَبِيرَ عَمَلٍ ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي ، فَقَالَ : مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ ، غَيْرَ أَنِّي لاَ أَجِدُ فِي نَفْسِي غِلاًّ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ أَحْسُدُهُ عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو : هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ ، وَهِيَ الَّتِي لاَ نُطِيقُ.أخرجه أحمد 3/166(12727) وقال محققه شعيب الأرناؤط : إسناده صحيح على شرط الشيخين , ورواه الترمذي ( 3694 ) و\"النَّسائي\" ، في \"عمل اليوم والليلة\" 863 , والطبراني والحاكم في المستدرك ( 3/73 ) وصححه ووافقه الذهبي .
قال مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ ؛ قَالَ : نَزَلَ سَلْمَانُ وَحُذَيْفَةُ عَلَى نَبَطِيَّةٍ ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلاةُ ؛ قَالَ أَحَدُهُمَا : هل ها هنا مَكَانٌ طَاهِرٌ نُصَلِّي فِيهِ ؟ فَقَالَتْ : طَهِّرْ قَلْبَكَ . وَصَلِّ حَيْثُ شِئْتَ . فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : خُذْهَا مِنْ قَلْبِ كَافِرٍ. المجالسة وجواهر العلم 6/228, الحلية 1/206.

4- طلب العلم الشرعي ولزومه:

طلب العلم الشرعي ولزومه سبب لنزول السكينة وطمأنينة القلب وسلامته: قال تعالى : \" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . سورة المجادلة: 11.
وقال تعالى على لسان العلماء المخبتين : \" رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) سورة آل عمران .
عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ في الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلاَثَةٌ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَ وَاحِدٌ فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَلَّمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً في الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ. أخرجه \"البُخاري\" 1/26(66) و\"مسلم\" 7/9.

5- المسارعة في فعل الخيرات :

المسارعة في الخيرات والمسابقة في فعل الصالحات من صفات المؤمنين المتقين , قال تعالى : \" وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . سورة البقرة: 148.
فالمسلم يرى غناه في قلبه , وفي حبه للخير وحرصه عليه , عَنْ أَبِي ذَرٍّ , أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: \" يَا أَبَا ذَرٍّ , أَتَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ هِيَ الْغِنَى ؟ \" , قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ هِيَ الْغِنَى . قَالَ: \" وَتَرَى أَنَّ قِلَّةَ الْمَالِ هِيَ الْفَقْرُ ؟ \" , قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ هِيَ الْفَقْرُ . قَالَ: \" لَيْسَ كَذَلِكَ , إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ , وَالْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْبِ \" أخرجه البيهقي فى شعب الإيمان (7/356 ، رقم 10570) والحاكم (4/363 ، رقم 7929) انظر حديث رقم : 7816 في صحيح الجامع .
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \" إن الإيمان ليَخْلَقُ فى جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم. أخرجه الحاكم ( 1 / 4 )الألباني في \" السلسلة الصحيحة \" 4 / 113 .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً ، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً. أخرجه أحمد 3/116(12177) و\"البُخَارِي\" 1/17(44) و\"مسلم\" 1/125(397).

6- البعد عن مواطن الفتن والشبهات :

العاقل إذا أراد السلامة لقلبه ابتعد عن مواطن الفتن والشبهات , فلا يتكبر ولا يتجبر , قال تعالى :\" الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) سورة غافر .
وقال تعالى :\" وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) سورة الأعراف .
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ . فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ. أخرجه \"أحمد\" 3/112(12131) والتِّرْمِذِيّ\" 2140 و(أبو يَعْلَى) 3687.
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، رَضِيَ اللهُّ عَنْهُمَا ، أنَّ صَفِيَّةَ ، زَوْج النَّبِيّ ِصلى الله عليه وسلم أخْبَرَتْهُ ،أنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللهِّ صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ فِي آعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ في الْعَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ . فَقَامَ النَّبِيّ ًصلى الله عليه وسلم مَعَهَا يَقْلِبُهَا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ ، عِنْدَ بَابِ أمِّ سَلَمَة ، مَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ صلى الله عليه وسلم . فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَلَى رِسْلِكُمَا ، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيٍّ . فَقالا : سُبْحَانَ الله يَا رَسُولَ اللهِّ ، وَكَبُرَ عَلَيْهمَا . فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدمِ ، وَإِنِّيَ خَشِيتُ أنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا.أخرجه أحمد 6/337 و\"البُخَارِي\" 3/64 و8/60 و\"مسلم\" 7/8.

7- مجالسة أهل الصلاح والإيمان :

مجالسة الصالحين ومحادثة المؤمنين المتقين فيها حياة للقلوب وراحة للأرواح , قال تعالى : \" وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) سورة الأنفال .
ففي مجالستهم الخوف من الله ونقاوة في القلب؛ لأن الأوساط الدنيوية والخوض في غمارها دائمًا يبعد عن الله ويُقَسِّي القلب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَلاَ هَلْ عَسَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَّخِذَ الصُّبَّةَ مِنَ الْغَنَمِ عَلَى رَأْسِ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ ، فَيَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْكَلأُ ، فَيَرْتَفِعَ ، ثُمَّ تَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلاَ يَجِيءُ وَلاَ يَشْهَدُهَا ، وَتَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلاَ يَشْهَدُهَا ، وَتَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلاَ يَشْهَدُهَا ، حَتَّى يُطْبَعَ عَلَى قَلْبِهِ. أخرجه ابن ماجة (1127) و((ابن خزيمة)) 1859 رقم : 2656 في صحيح الجامع .
فالمسلم محب لإخوانه يدعوا لهم دائما بالخير , قال تعالى : \" وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) سورة الحشر .
ويحسن التعامل معهم , قال تعالى :\" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) سورة آل عمران .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن لله تعالى آنية من أهل الأرض وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها ألينها وأرقُها) أخرجه الطبراني في \" المعجم الكبير \" ( ق 40 / 1)الألباني ( حسن ) انظر حديث رقم : 2163 في صحيح الجامع .

8- الإكثار من ذكر الموت وهادم اللذات:

في تذكر الموت حياة للقلوب وإيقاظ لها من غفلتها وسباتها , قال تعالى :\" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) سورة ق .
وقال : \" وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) سورة غافر .
وبهذا كان يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ,عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ :كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ قَالَ : أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا قَالَ فَأَىُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ قَالَ : أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ.أَخْرَجَهُ ابن ماجة (4259) الألباني :حسن ، الصحيحة ( 1384 ).

وهذا هو دأب السلف الصالح، فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يذكر الموت هو وأصحابه حتى يبكوا وكأن الجنازة بين أيديهم، وقد خرج رحمه الله هو وميمون بن مهران يومًا لزيارة المقابر فلما نظر إليها بكى ثم قال: «يا ميمون, هذه قبور آبائي بني أمية كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذاتهم ألا تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم بهم البلاء وأصاب الهوام مقيلاً في أبدانهم، ثم بكى وقال: والله لا أعلم أحدًا كان أنعم منهم في الدنيا وقد أمن من عذاب الله.
وعن أبي زكريا التيمي قال: بينا سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام إذ أتى بحجر منقوش فطلب من يقرؤه فإذا فيه: ابن آدم لو رأيت قرب ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك ولرغبت في الزيادة في عملك ولقصرت من حرصك وحيلك، وإنما يلقاك ندمك لو قد زلَّت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك فبان منك الولد والنسب, فلا أنت إلى دنياك عائد، ولا في حسناتك زائد فاعمل ليوم القيامة يوم الحسرة والندامة. الغزالي : إحياء علوم الدين 7/146.
وقال أحد السلف: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاث: تعجيل التوبة، وسلامة القلب وقناعته، ونشاط في العبادة، ومن نسي ذكر الموت عوقب بثلاث: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة.
قال بعض السلف: رأيت شاباً في سفح جبل عليه آثار القلق ودموعه تتحادر، فقلت: من أين ؟، فقال : آبق من مولاه ، قلت : فتعود فتعتذر ؟ فقال : العذر يحتاج إلى حجة ولا حجة للمفرط ، قلت فتتعلق بشفيع ؟ قال : كل الشفعاء يخافون منه ، قلت : من هو ؟ قال : مولى رباني صغيراً فعصيته كبيراً ، فوا حيائي من حسن صنعه وقبح فعلي ، ثم صاح فمات ، فخرجت عجوز فقالت : من أعان على قتل البائس الحيران ؟ فقلت : أقيم عندك أعينك عليه ، فقالت : خلّه ذليلاً بين يدي قاتله عساه يراه بغير معين فيرحمه . المدهش لابن الجوزي 358 .
قال الشافعي :
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي * * * جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته * * * بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت تعفو عن الذنب لم تزل * * * تجود وتعفو منّة وتكرّما
فلولاك لم ينجو من إبليس عابد * * * وكيف وقد أغوى صفيّك آدما

كان سفيان الثوري نائماً واضعاً رأسه في حجر عبد الرحمن ، ويحيى بن سعيد القطان عند رجليه، وفجأة انخرط سفيان في بكاءٍ عميق، فقال له: يحيى بن سعيد : ما يبكيك يا أبا عبد الله ، ألست تقدم على الذي كنت تعبده؟ الذي أفنيت حياتك فيه ولأجله، فأنت قادم عليه، وتخرج من الضيق إلى السعة، وأنت ممن قضى حياته في عبادة ربه، أتخشى ذنوبك؟ فأخذ سفيان الثوري تبنة - قشة من على الأرض- وقال: لذنوبي أهون عليّ من هذه، إنما أخشى سوء الخاتمة، ما أخشى ذنبي، إنما أخشى سوء الخاتمة.
يقول عمرو بن ميمون بن مهران: خرجت بأبي أقوده في بعض سكك البصرة، فمررت بجدول، فلم يستطع الشيخ أن يتخطاه، فاضطجعت له فمر على ظهري، ثم قمت فأخذت بيده فدفعنا إلى منزل الحسن، فطرقت الباب، فخرجت جارية فقالت: مَن هذا؟ فقلت: هذا ميمون بن مهران أراد لقاء الحسن، فقالت: ميمون بن مهران كاتب عمر بن عبد العزيز؟ قلت لها: نعم. قالت: يا شقي؛ ما أبقاك إلى هذا الزمان السوء؟ فبكى الشيخ فسمع الحسن بكاءه فخرج إليه فاعتنقا، ثم دخلا، فقال ميمون: يا أبا سعيد؛ إني قد آنستُ من قلبي غلظة، فَاسْتَلِنْ لي ( يعني صِف لي شيئًا يليِّن قلبي)، فقرأ الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم: \"أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) سورة الشعراء، قال عمرو: فسقط الشيخ فرأيته يفحص برجله ما تفحص الشاة المذبوحة، فأقام طويلاً ثم أفاق (يعني أغمي عليه ثم أفاق )، فجاءت الجارية فقالت: قد أتعبتم الشيخ ( تعني الحسن )؛ قوموا تفرقوا، فأخذتُ بيد أبي فخرجتُ به، ثم قلت له: يا أبتاه؛ هذا الحسن قد كنت أحسب أنه أكثر من هذا، قال: فوكز أبي في صدري وقال: يا بني، لقد قرأ علينا آية لو تَفهمتَها بقلبك لأُلفِيَ لصافيه كلوم (أي جروح)، يعني: لو تدبرت هذه الآية وفهمتها لشقت كبدك وجرحت قلبك. انظر : حلية الأولياء 4/83 , وتهذيب الكمال: 29-225.
فعليك أن تنشغِّل بقلبك، وتتفقده في كل وقت لأنه سريع التقلُّب .. واحرص على أن تجعله يتقلَّب إلى الجانب المُشرق المُنير، وليس إلى الجانب المُظلِّم.