سلسلة مبادئ الأخلاق في القرآن العظيم .. متجددة ..
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
مع الجزء الحادي والعشرون
( 6 )
وبعض أيات من سورة لقمان
وَلَقَدْ
آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ
فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ
حَمِيدٌ -12
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ -13
وَوَصَّيْنَا
الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ
وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ
الْمَصِيرُ -14
وَإِن
جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا
تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ
مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا
كُنتُمْ تَعْمَلُونَ -15
يَا
بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن
فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا
اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ -16
يَا
بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ
الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الأمُورِ -17
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ -18
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ -19
إن سلوك أي إنسان هو انعكاس لما تلقاه من تربية في البيت والمدرسة والبيئة المحيطة به ,
ومن هنا نلاحظ أهمية دور الأب في النصيحة لأولاده , حيث أنها نصيحة خالصة لوجه الله تعالى , مبرأة من كل شبهة .
وتوصية
الولد بالوالدين تتكرر في القرآن الكريم , وفي وصايا رسول الله صلى الله
عليه وسلم , ولم ترد توصية الوالدين بالولد إلا قليلا . ومعظمها في حالة
الوأد - وهي حالة خاصة في ظروف خاصة .
فالفطرة
مدفوعة إلى رعاية الجيل الناشىء لضمان امتداد الحياة , كما يريدها الله ;
وإن الوالدين ليبذلان لوليدهما من أجسامهما وأعصابهما وأعمارهما ومن كل
ما يملكان من عزيز وغال , في غير تأفف ولا شكوى ; بل في غير انتباه ولا
شعور بما يبذلان.... بل في نشاط وفرح وسرور كأنهما هما اللذان يأخذان .
فأما
الوليد فهو في حاجة إلى الوصية المكررة ليلتفت إلى الجيل المضحي المدبر
المولي الذاهب في أدبار الحياة , بعدما سكب عصارة عمره وروحه وأعصابه
للجيل المتجه إلى مستقبل الحياة .
وما يملك الوليد وما يبلغ أن يعوض الوالدين بعض ما بذلاه , ولو وقف عمره عليهما . وهذه الصورة الموحية:
( حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين )
والأم بطبيعة الحال تحتمل النصيب الأوفر ; وتجود به في انعطاف أشد وأعمق وأحنى وأرفق . .
روى
الحافظ أبو بكر البزار في مسنده - بإسناده - عن بريد عن أبيه أن رجلا
كان في الطواف حاملا أمه يطوف بها , فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل
أديت حقها ? قال:" لا . ولا بزفرة واحدة " . هكذا . . ولا بزفرة . . في حمل أو في وضع , وهي تحمله وهنا على وهن .
فيجب على الإنسان أن يتوجه إلى شكر الله المنعم الأول , وشكر الوالدين المنعمين التاليين ; ويربط بهذه الحقيقة حقيقة الآخرة:
( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )
ولكن رابطة الوالدين بالوليد - على كل هذا الانعطاف وكل هذه الكرامة - إنما تأتي في ترتيبها بعد رابطة العقيدة .
فبقية الوصية للإنسان في علاقته بوالديه:
( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ). .
فإلى هنا ويسقط واجب الطاعة
وتعلو رابطة العقيدة على كل رابطة .
ولكن الاختلاف في العقيدة , لا يسقط حق الوالدين في المعاملة الطيبة والصحبة الكريمة: ( وصاحبهما في الدنيا معروفا ) فهي رحلة قصيرة على الأرض لا تؤثر في الحقيقة الأصيلة.
( واتبع سبيل من أناب إلي ) من المؤمنين ( ثم إلي مرجعكم ) بعد رحلة الأرض المحدودة ( فأنبئكم بما كنتم تعملون ) ...
( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر , واصبر على ما أصابك . إن ذلك من عزم الأمور ). .
وهذا
هو طريق العقيدة المرسوم . . توحيد لله ودوام الصله به بإقامة الصلاة,
وشعور برقابته , وتطلع إلى ما عنده , وثقة في عدله , وخشية من عقابه . ثم
انتقال إلى دعوة الناس وإصلاح حالهم , وأمرهم بالمعروف , ونهيهم عن
المنكر .
( واصبر على ما أصابك . إن ذلك من عزم الأمور ). . وعزم الأمور هو عدم التردد بعد العزم والتصميم على التزام طريق الخير .
( ولا
تصعر خدك للناس , ولا تمش في الأرض مرحا . إن الله لا يحب كل مختال فخور
. واقصد في مشيك , واغضض من صوتك . إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) .
والصعر
داء يصيب الإبل فيلوي أعناقها . والأسلوب القرآني يختار هذا التعبير
للتنفير من الحركة المشابهة لهذا المرض . حركة الكبر والازورار , وإمالة
الخد للناس في تعال واستكبار .. فهذا مرض خطير.
والمشي
في الأرض مرحا هو المشي في تخايل ونفخة وقلة مبالاة بالناس . وهي حركة
كريهة يمقتها الله ويمقتها الخلق . وهي تعبير عن شعور مريض بالذات , يتنفس
في مشية الخيلاء .
( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) .
( واغضض من صوتك )
والغض من الصوت فيه أدب وثقة بالنفس واطمئنان إلى صدق الحديث وقوته .
وما يزعق أو يغلظ في الخطاب إلا سيء الأدب , أو شاك في قيمة قوله , أو
قيمة شخصه ; يحاول إخفاء هذا الشك بالحدة والغلظة .
نلاحظ هنا قيمة التربية في تشكيل الأجيال القوية بالآداب والأخلاق فهم عنوان لما يؤمنون به من مبادئ وقيم.
*******
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق