الجمعة، 31 مايو 2013

العين والحســـد


بســـم الله الــرحمن الــرحيم
السلام عليكم ورحمة الله



العين والحســـد

( العين - النفس - النظرة )
يقول الله تعالى:} وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين {
يقول ابن كثير : قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما "ليزلقونك"  لينفذونك "بأبصارهم"  أي يعينونك بأبصارهم بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم أ.هـ. وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة. يقول صلى الله عليه وسلم : "عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؛ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ" ( حديث صحيح )،  ويقول الشاعر:
ترميك مزلقة العيون بطرفها *** وتكل عنك نصال نبل الرامي
 
يقول ابن القيم في الزاد :أبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين ، وقالوا : إنما ذلك أوهام لا حقيقة له ، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل ، ومن أغلظهم حجاباً ، وأكثفهم طباعاً ، وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس . وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها ، وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ، ولا تنكره ، وإن اختلفوا في سببه وجهة تأثير العين.

فقالت طائفة : إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة ، انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين ، فيتضرر . قالوا : ولا يستنكر هذا ، كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان ، فيهلك ، وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك ، فكذلك العائن.

وقالت فرقة أخرى : لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية ، فتتصل بالمعين ، وتتخلل مسام جسمه ، فيحصل له الضرر .

وقالت فرقة أخرى : قد أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضرر عند مقابلة عين العائن لمن يعينه من غير أن يكون منه قوة ولا سبب ولا تأثير أصلاً ، وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتأثيرات في العالم ، وهؤلاء قد سدوا على أنفسهم باب العلل والتأثيرات والأسباب ، وخالفوا العقلاء أجمعين .
ويقول: ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة ، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام ، فإنه أمر مشاهد محسوس ، وأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه ، ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه ، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه ، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح ، ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها ، وليست هي الفاعلة ، وإنما التأثير للروح ، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها ، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بيناً ، ولهذا أمر الله - سبحانه - رسوله أن يستعيذ به من شره ، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية ، وهو أصل الإصابة بالعين ، فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة ، وتقابل  المحسود ، فتؤثر فيه بتلك الخاصية ، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى ، فإن السم كامن فيها بالقوة ، فإذا قابلت عدوها ، انبعثت منها قوة غضبية ، وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية ، فمنها ما تشد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين ، ومنها ما تؤثر في طمس البصر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأبتر ، وذي الطفيتين من الحيات : " إنهما يلتمسان البصر ، ويسقطان الحبل "(1) .

ومنها ، ما تؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به ، لشدة خبث تلك النفس ، وكيفيتها الخبيثة المؤثرة ، والتأثير غير موقوف على الإتصالات الجسمية ، كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة ، بل التأثير يكون تارة بالإتصال ، وتارة بالمقابلة ، وتارة بالرؤية ، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه ، وتارة بالأدعية والرقى والتعوذات ، وتارة بالوهم والتخيل ، ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية ، بل قد يكون أعمى ، فيوصف له الشئ ، فتؤثر نفسه فيه ، وإن لم يره ، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية .

أعين الإنس وأعين الجن

قال تعالى : ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ) الأعراف /27
الإصابة بالعين إما أن تكون من عين إنسية أو عين من الجن ، فالجن يصيبون بالعين كإصابة الإنس أو أشد ، ففي سنن النسائي عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ وَعيْنِ الإنسِ فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ.
يقول ابن القيم : والعَيْن عَيْنان ، عَيْنٌ إنسية ، وعَيْنٌ جِنِّية . فقد صح عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فَقَالَ ((اسْتَْرقُوا لها ، فإنَّ بها النَّظرَة)) .
قال الحسين بن مسعود الفرَّاء : وقوله ((سَفْعَة)) أى : نظرة ، يعنى من الجن، يقول : بها عينٌ أصابْتها من نظَرِ الجن أنفذُ من أسِّنَة الرِماح . ((استرقوا)) : من الرقية ، وهى : ما يرقى به من الدعاء لطلب الشفاء.
يقول الشاعر:
وقد عالجوه بالتمائم والرقى *** وصبوا عليه المـاء من ألم النكس
وقالوا أصابته من الجن أعين *** ولو علموا داووه من أعين الإنس
يقول الجاحظ في كتابه الحيوان : وقد روى الثَّوري عن سِماك بن حَرْب عن ابن عبّاس أنّه قال على مِنبر البَصرة: إنّ الكلاب من الحِنّ، وإنّ الحِنَّ من ضَعَفَةِ الجِنّ، فإذا غشِيكم منها شيءٌ فألقوا إليه شيئاً واطردوها، فإنّ لها أنفسَ سوء.
وجاء في الحديث الحث على التستر والإحتراز من نظر الجن فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول : بسم الله ) رواه الترمذي وصححه الألباني .

 

العـائـــن

والمعيان و المعين والمعيون

الذي يصيب بالعين يسمى العائن والمعيان اذا عرف عنه شدة الإصابة بالعين ، ويسمى المصاب بالعين بالمعين والمعيون يقول عباس بن مرداس  :
أكليب مالك كل يوم ظالماً  *** والظلم أنكـد وجهه ملعونُ
قد كان قومك يحسبونك سيداً *** و إخال أنك سيد معيون
فالعائن الذي يصيب بعينه أو حسده ويقال رجل مِعْيانٌ و عَيونٌ أي شديد الإِصابة بالعين ، ويقال للذي يصيب بالعين اشوَه و تَعَيَّنَ الرجلُ إِذا تَشَوَّهَ وتأَنى ليصيب شيئاً بعينه ، والأَشْوَه السريعُ الإصابةِ بالعين، يقال: لا تُشَوِّهْ عَلَيَّ أي لا تَقُل ما أحْسَنَه فتُصِيبَنِي بعيْن، والنَّفْس العيْن والنافِسُ العائِن والمَنْفُوس المَعْيُون، ورجل نَفُوس حَسُود يتَعَيَّن أموالَ الناس ليُصِيبَها بالعين. ويقال رجل تِلِقَّاعَة ولُقَّاعة يَلْقَع الناسَ ، أي صاحب العين ، يقال لَقَعَهُ بِعَينه: أي عَانَهُ ، ويقال لَقَعَه بالبعْرةِ يَلْقَعُه لَقْعاً رماه بها ، قال أَبوعبيد لم يسمع اللقْعُ إِلا في إِصابةِ العين وفي البعرة ، وفي حديثِ سالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عمَرَ : أنَّه خَرَجَ مِنْ عِنْدِ هِشَامٍ فأخَذَتْه قَفْقَفَةٌ أيْ : رَعْدَةٌ : فقالَ : أظُنُّ الأحْوَلَ لقَعَنِي بعَيْنِه أي أصابَنِي يَعْنِي هِشاماً وكانَ أحْوَلَ. ويسمى العائن نضول ولعله من النضل وهو الرمي بالسهام ويسمى نحوت ولعله من النحت نَحَتَه يَنْحِتُه نَحْتاً أَي بَراه.
وفي الأمثال عن ابن السِّكِّيت يُقَال : فُلانٌ ما تَقُومُ رَابِضَتُه إِذا كان يَرْمِي فيَقْتُلُ أَو يَعِينُ فيَقْتُل أَي يُصِيبُ بالعَيْن . قال : وأَكْثَرُ مَا يقَال في العَيْنِ . انْتَهَى .
ويقال تعَيَّنَ الإِبلَ واعْتانها : اسْتَشْرَفها ليَعِينها وأَنشد ابن الأَعرابي :
يَزِينُها للناظِرِ المُعْتانِ خَيْفٌ *** قريبُ العهْدِ بالحَيْرانِ
أَي إِذا كان عهدها قريباً بالولادة كان أَضخم لضرعها وأَحسن وأَشدّ امتلاء ، و تَعَيَّنَ الرجلُ إِذا تَشَوَّهَ وتأَنى ليصيب شيئاً بعينه . ويقال إنّ فلاناً لَيَتشَرَّفُ إبِلَ فُلان، إذا كان يتَتَبَّعُها ليُصِيبَها بالعين . "لسان العرب"، " المحيط في اللغة"

يقول الأصمعي: سمعت عائنا يقول : إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني أ.هـ. ومن خلال المتابعة و الإستقراء يظهر لي أنه تختلف معرفة وشعور العائن بخروج العين منه وعلمه بإصابة المعين من شخص الى آخر ، فقد يعين الرجل نفسه أو ولده أو دابته أو صديقه وهو لا يعلم و بغير إرادته ، وآخر يعلم انه يصيب بعينه وعندما يشعر بتحرك العين في نفسه يمنعها بإرادته بأن يصرف نظره ويذكر الله تعالى ، وربما تخرج العين من العائن بإرادته أو بغير ارادته ويشعر بها ولكنه لا يمكنه ردها لأنه لم يبادر بذكر الله ، وبعضهم يصرفها عن الهدف الى غير ، وقد تجتمع هذه الصفات في العائن أي انه يشعر احيان ولا يشعر أحيانا أخرى .

يذكر أحدهم أنه يركز على الشيء أو يصفه وصفاً جيداً فيصيبه ، ويقول آخر بكل بساطة أنظر الى الشيء الذي أريد إصابته فاصيبه ، ويقول آخر أنظر الى الشيء وأتمناه لي فأصيبه أو أني أذكر الله فلا أصيبه ، ويقول آخر لا أعلم كيف أصيب بالعين ألا انني أجد في نفسي وصفا لما أشاهد فأتلفظ به فيتأثر الموصوف .

وكل أنسان قد يصيب بعينه بإذن الله تعالى ، ولذلك يقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"  إذا رأى أحدُكم من نفسِهِ أو مالِهِ أو من أخيه ما يعجبُه فليدعُ بالبركةِ فإنَّ العينَ حقٌّ " انظر حديث رقم : 556 في صحيح الجامع

و تشتهر بعض مناطق القرى والأرياف بأن أهلها مشهورون بالعين ، وكأن العين عندهم مهنة يتعلمونها ويتوارثونها ، وهذا معلوم منذ القدم فقد ذكرت كتب التفسير أن العين كانت في بني أسد حتى إن كانت الناقة السمينة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول يا جارية خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم من لحم هذه ، فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر. ويذكر بعض العلماء بأن كل انسان يمكنه تعلم العين وقال آخرون بأن العين يتوارثها الأبناء عن الآباء كتوارث الشكل والطبائع مع الجينات .

الحسـد 

ويقول سبحانه تعالى : } وَدّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْحَقّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتّىَ يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { [البقرة :109] ويقول تعالى:}أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَىَ مَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مّلْكاً عَظِيماً{[النساء:54] ، ويقول تعالى : }وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ { .

 يقول ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد اصل الحسد : هو بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها أ.هـ.
ويذكر العلماء أن مراتب الحسد أربعة وهي :
الاولى  : تمني زوال النعمة عن المنعم عليه ولو لم تنتقل للحاسد.
داريت كُل الناسِ لكن حاسدي
مُـداراته عَزت، وعَز مَنَالُها
وكيفَ يداري المرءُ حاسدَ نعمةٍ
إذا كـان لا يُرضيه إلا زوالها
الثانية   : تمني زوال النعمة عن المنعم عليه وحصوله عليها .
الثالثة   : تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه حتى لا يحصل التفاوت بينهما ، فإذا لم يستطع حصوله عليها تمنى زوالها عن المنعم عليه.  
الرابعة : حسد الغبطة ويسمى حسداً مجازاً وهو تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه من غير أن تزول عنه . روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لا حَسَدَ إلا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ وَرَجلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمل .

 

 العـين والحسـد

يقول ابن القيم في الزاد : هي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطيه تارة . ويقول في كتابه بدائع الفوائد : العائن والحاسد يشتركان في شيء ويفترقان في شيء ، فيشتركان في أن كل واحد منها تتكيف نفسه ، وتتوجه نحو من يريد أذاه.
فالعائن   : تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته .
والحاسد : يحصل له ذلك عند غيبة المحسود وحضوره أيضا .
ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده ، من جماد أو حيوان أو زرع أو مال  وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه أ.هـ.
 ويقول في كتابه الزاد الجزء الثالث : ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية بل قد يكون العائن أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره ، وكثير من العائنين يؤثرون في المعين بالوصف من غير رؤية أ.هـ. اضغط هنا لمشاهدة المقالة كاملة

أقســـام العين والحسـد

تنقسم العين الى ثلاثة أقسام ، وهذا تقسيم افتراضي وليس قطعي :
- العين المعجبة
- العين الحاسدة
- العين القاتلة

العـين المعجـبة: إن النفس إذا ما أفرطت في الإعجاب بنعمة من النعم أثرت فيها وأفسدتها بإذن الله تعالى ما لم يبرك صاحبها ، يقول تعالى في سورة الكهف: } وَلَوْلآ إِذْ دَخَلْتَ جَنّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللّهُ لاَ قُوّةَ إِلاّ بِاللّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً { ، ويقول صلى الله عليه وسلم ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ) جزء من حديث رواه أبن ماجة .
يقول ابن حجر : أن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من الرجل المحب ومن الرجل الصالح ، وإن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة فيكون ذلك رقية منه أ.هـ.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنْ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ رَجُلا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فَلُبِطَ سَهْلٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ قَالَ هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ قَالُوا نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ ثُمَّ قَالَ لَهُ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ." مسند أحمد "

العين الحاسدة : وهي في الأصل تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود فتخرج سهام الحسد من نفسٍ حاسدةٍ خبيثة ، باعثها الاستحسان المشوب بالصفات الذميمة كالغيرة والحقد والكراهية والحسد ، وتؤثر بالمحسود أو شيئا يخصه ولو بغير إرادة ومشيئة ومعرفة الحاسد وهذا هو الفارق بينها وبين العين القاتلة .
أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه
لأنـك لم ترض لي ما وهب
فأخزاك ربي بـأن زادني
العين القاتله ( السمية ) :
هي أشد انواع العين تأثيرا في المعيون ، فهي تخرج  من العائن إلى المراد إعانته بقصد الضرر وبإرادة ومشيئة العائن من بعد مشيئة الله تعالى ، وسمى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإصابة بالعين بالقتل وذلك لما أعان عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ." مسند أحمد "
قوله علام يقتل أحدكم أخاه دليل على أن العين ربما قتلت وكانت سببا من أسباب المنية وقوله ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له وأن العين لا تسبق القدر ولكنها من القدر." عمدة القاري باب العين"
قال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب من خبائه فتمر به النعم فيقول : ما رعى اليوم إبل ولا غنم أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قريبا حتى يسقط منها طائفة ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل به مثل ذلك ، فعصم الله تعالى نبيه وانزل قوله تعالى: }وَإِن يَكَادُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمّا سَمِعُواْ الذّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنّهُ لَمَجْنُونٌ{ . وذكر نحوه الماوردي. وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا تجوع ثلاثة أيام ، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول : تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن ؛ فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله. وعند أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الْعَيْنَ لَتُولِعُ بِالرَّجل بِإِذْنِ اللَّهِ حَتَّى يَصْعَدَ حَالقًا ثُمَّ يتَرَدَّى مِنْه" . وقد يصاب الإنسان بعين سمية في رأسه فتتلف خلايا مخه فيصاب بالجنون ، أو قد يصاب الإنسان بعين سمية في نفسيته فيجهد من الضيق والحزن والكآبة وتضيق عليه الأرض بما رحبت فمثل هذا يخشى عليه من الانتحار والعياذ بالله .
.يقول الشاعر:  ترميك مـزلقة العيون بطرفها ... وتكل عنك نصال نبل الرامي
وقال آخـر :  يتفارضون إذا التقوا في مجلس   ... نظرا يـزل مواطئ الأقـدام
وقال آخـر : وتوق من عين الحسود وشرها ... لا كان ناظرها بسوء ناظـرا
يقول ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد عندما تعرض لتفسير سورة الفلق : فلله كم من قتيل وكم من سليب وكم من معافى عادى مضني على فراشه يقول طبيبه لا أعلم داءه ما هو ، فصدق ليس هذا الداء من علم الطبائع ، هذا من علم الأرواح وصفاتها وكيفيتها ومعرفة تأثيراتها في الأجسام والطبائع وانفعال الأجسام عنها وهذا علم لا يعرفه إلا خواص الناس والمحجوبون منكرون له أ.هـ.
قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده عن جابر بن عبدالله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس"  قال البزار يعني العين . يقول ابن كثير في تفسيره لآخر آية في سورة القلم  روي هذا الحديث من وجه آخر عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العين حق لتورد الرجل القبر والجمل القدر وإن أكثر هلاك أمتي في العين ".
يستنبط من حديث أكثر من يموت من أمتي :
أن العين تصيب أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من بقية الأمم الأخرى.
- أكثر موتى المسلمين يموتون بسبب العين ، وهذا يعني أن أكثر من 50%  ممن يموت من المسلمين كان سبب موتهم حادث سيارة أو سقوط طائرة أو بسبب مرض معروف أو بسبب مرض غير معروف هو في الأصل من بعد قضاء الله وقدره بسبب العين.
- كما يستفاد من هذا الحديث أن الكثير من الأمراض العضوية والنفسية والعصبية التي يعجز الأطباء عن معرفة سببها وطريقة علاجها هي من أثر العين، فما دون الموت أحرى بوقوعه.

وقيل: كانت العين في بني أسد حتى كانت الناقة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول: يا جارية خذي المكتل والدراهم فأتينا بشيء من لحم هذه فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر.
وعبد الله بن عياش قال: لما حج هشام بن عبد الملك فمرّ بالمدينة قال لرجل من أصحابه: انظر من ترى في المسجد، قال: أرى رجلاً طوالاً أَدْلَم، قال: هذا بقية الناس، هذا أبو عمر سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، علي به، فجاء في ثوبين، فقيل له أتدخل على أمير المؤمنين في هذا الزي؟.
فقال: ألا أدخل عليه في زي أقوم في مثله بين يدي رب العالمين، فدخل فسلم فرفعه وقربه، وقال: كم سنك يا أبا عمر؟ قال: ستون سنة، قال: ما رأيت ابن ستين أتم كدنه منك ... ما أحسن جسمك... ما أكلك؟ قال: الخبز والزيت، قال: وتشتهيه؟ قال: أدعه حتى أشتهيه فإذا اشتهيته أكلته ، قال: فلمَّا خَرج سالم أخَذَتْه قَفْقَفَة فلما صار في منزله حُمّ فقال لصاحبه : أترى الأحْوَلَ لَقَعني بعَيْنِهِ ( أي أصابني بعينه ) ، فاعتل ومات وصلى عليه، وكان هشام يقول: ما أدري بأيهما شد فرحاً بحجتي أم بصلاتي على سالم.(2)
________________________
(1) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ يَقُولُ « اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَالْكِلاَبَ وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَالَى »...قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَلَبِثْتُ لاَ أَتْرُكُ حَيَّةً أَرَاهَا إِلاَّ قَتَلْتُهَا فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً يَوْمًا مِنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ مَرَّ بِى زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ أَوْ أَبُو لُبَابَةَ وَأَنَا أُطَارِدُهَا فَقَالَ مَهْلاً يَا عَبْدَ اللَّهِ. فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِهِنَّ. قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَى عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ. صحيح مسلم ، وعن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ولكن اقتلوا منها كل أسود بهيم .مسند احمد صحيح على شرط الشيخين ( الأبتر ) هو الذي لاذنب له أو قصير الذنب . ( يلتمسان البصر ) أي إنهما إذا نظرا إلى إنسان ذهب بصره بالخاصية فيهما . وقيل إنهما يقصدان البصر بالسم . ( ويسقطان الحبل ) بفتحتين أي الجنين .
(2) القصة منقولة بتصرف وهي في كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، وبغية الطلب في تاريخ حلب ، والنهاية في غريب الأثر وغيرها من الكتب.

 
في حالة نسخ أي صفحة من صفحات هذا الموقع حبذا ذكر المصدر على النحو التالي
نقلاً عن لقط المرجان في علاج العين والسحر والجان

الأربعاء، 29 مايو 2013

لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ

بســـم الله الــرحمن الــرحيم
السلام عليكم ورحمة الله

لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ 

قال تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]


إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وأَلْقِ سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه وإليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله ..
وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفًا على مؤثر مقتض، ومحلٍ قابل، وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه، تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد .
فقوله تعالى: إ"إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى" إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى هاهنا، وهذا هو المؤثر، وقوله تعالى: "لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ" فهذا هو المَحِل القابل، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله، كما قال تعالى: { .. إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (*) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس: 69,70] .. أي حي القلب.
وقوله: "أوْ أَلْقَى السَّمْعَ" أي: وجَّه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له، وهذا شرط التأثر بالكلام. وقوله تعالى "وَهُوَ شَهِيدٌ" أي: شاهد القلب حاضر غير غائب .
قال ابن قتيبة: "استمع كتاب الله، وهو شاهد القلب والفهم، ليس بغافلٍ ولا ساه" ..
وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير، وهو: سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له، والنظر فيه وتأمله ..
فإذا حصل المؤثر وهو القرآن، والمحل القابل وهو القلب الحي، ووجد الشرط وهو الإصغاء، وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب، وانصرافه عنه إلى شيء آخر، حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر.

فإن قيل: إذا كان التأثير إنما يتم بمجموع هذه، فما وجه دخول أداة « أو » في قوله تعالى : "أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ" والموضع موضع واو الجمع لا موضع « أو » التي هي لأحد الشيئين؟
قيل : هذا سؤال جيد، والجواب عنه أن يقال: خرج الكلام بـ « أو » باعتبار حال المخاطب المدعو، فإن من الناس من يكون حي القلب واعيه، تامّ الفطرة، فإذا فكَّر بقلبه وجال بفكره، دلَّه قلبه وعقله على صحة القرآن وأنه الحق، وشهد قلبه بما أخبر به القرآن، فكان ورود القرآن على قلبه نوراً على نور الفطرة.
وهذا وصف الذين قيل فيهم: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ..} [سبأ: 6] .. وقال في حقهم: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ..} [نور: 35]
فهذا نور الفطرة على نور الوحي، وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي ..
فصاحب القلب يجمع بين قلبه وبين معاني القرآن فيجدها كأنها قد كتبت فيه، فهو يقرأها عن ظَهْر قَلْب .
ومن الناس من لا يكون تامَّ الاستعداد، واعي القلب، كامل الحياة .. فيحتاج إلى شاهد يميز له بين الحق والباطل، ولم تبلغ حياة قلبه ونوره وزكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الحي الواعي، فطريق حصول هدايته أن يفرغ سمعه للكلام وقلبه لتأمله والتفكر فيه وتعقل معاينه، فيعلم حينئذ أنه الحق .

فالأول: حال من رأى بعينه ما دُعِيَ عليه وأُخْبِرَ به، والثاني: حال من عَلِمَ صدق المخبر وتيقنه .. وقال : « يكفيني خبره » فهو في مقام الإيمان، والأول في مقام الإحسان.
هذا وقد وصل إلى علم اليقين، وترقى قلبه منه إلى منزلة عين اليقين، وذاك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل به في الإسلام.
فعين اليقين نوعان: نوع في الدنيا ونوع في الآخرة .. فالحاصل في الدنيا نسبته إلى القلب كنسبة الشاهد إلى العين. وما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في الآخرة بالأبصار، وفى الدنيا بالبصائر، فهو عين يقين في المرتبتين.

الاثنين، 6 مايو 2013

من أنا

بســــــــــــــم الله الـــــــــــرحمن الـــــــــــرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من أنا

 

  من أنا ؟!! والجواب بالتفصيل لأهمية الجواب على هذا السؤال أؤصله بمقدمة مهمة جداً بين يدي الجواب ، وأستهل هذه المقدمة بهذه الكلمات :
أقول : إن كل جهل مهما عظمت نتائجه قد يغفر ، إلا أن يجهل الإنسان خالقه سبحانه وتعالى ، وسر وجوده ، والغاية التي من أجلها خُلق ، فالجهل فى جانب العقيدة لا يغتفر ، وهو أن يجهل الإنسان خالقه ، وأن يجهل الإنسان الغاية التي من أجلها خُلق ، فأكبر عار على هذا الإنسان الذي آتاه الله - عز وجل - العقل والإرادة وميزه على سائر المخلوقات في الكون أكبر عار عليه أن يعيش غافلاً عن الله ، فيأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام ، لا يفكر في خالق ، ولا يبحث عن غاية ، ولا عن الوظيفة الذي من أجلها خُلق ولها ابتعث ، ولا يبحث عن طبيعة دوره في هذه الأرض ، حتى يأتيه الأجل والموت ، دون أن يستعد لهذا اليوم فيجنى ثمرة الغفلة والجهل والانحراف في عمره الطويل أو القصير ، وحينئذ يندم يوم لا ينفع الندم ، وهو بين يدي الله تبارك وتعالى يرى نفسه أخس من البهائم وال*****ات ، فإن البهائم وال*****ات كلها عرفت ربها وسجدت له ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَـا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ، وقال تعالى في شأن
هذا الصنف الذي هو أخس من البهائم ، الذي يجهل خالقه ، ويجهل غاية وجوده وسر ابتعاثه في هذه الأرض قال تعالى : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ تدبر القول بعد ذلك أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ هذا الصنف الخبيث الذي يقول قائله :

جئت لا أعلم من أين ؟ ولكني أتيت .. ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت وسأمضي في طريقي شئت هذا أم أبيت ..كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي ؟ لست أدري !! بهيمة ، نعم بهيمة ، لا يعرف خالق ، ولا يعرف غاية وسر وجوده في هذه الأرض كما قال الله- عز وجل- وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ فأي جهل أبشع وأفظع من أن يجهل الإنسان الذي يتعالى بعقله ، ويتعالى بإبداعاته المادية ، أي جهل من أن يجهل ربه وخالقه الذي خلقه وبعثه وأوجده - سبحانه وتعالى - هذا هو الجهل الذي لا يغتفر .
لهذا كان لزاماً على كل إنسان عاقل أن يبادر ويسأل نفسه هذا السؤال : لماذا خُلقت؟، وما هي الغاية التي من أجلها خُلقت ؟ وحتماً قبل طرح هذين السؤالين ، لا بد وأن تطرح على نفسك من أنا ؟ من أوجدني ؟ من خلقني ؟ تسأل نفسك أيضاً إلى أين ؟ وما المصير ؟ وإلى أين أسير ؟ لا بد أن تطرح على نفسك هذه الأسئلة لتتعرف على الغاية التي من أجلها خُلقت ، فإن عرفت من خالقك ، وعرفت الغاية التي من أجلها من أجلها خُلقت ، حينئذٍ ستعرف من أنت ، وستعرف مصيرك ومسيرك ، فلا بد من الإجابة على هذه الأسئلة من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ أي : ولماذا خُلقت ؟

هذه هي الأسئلة التي صاحبت الإنسان في كل فترات حياته ، وفي كل مكان وجد فيه ؟ وهي تطلب من أي إنسان الجواب الشافي لها في كل مرحلة من مراحل العمر ، وفي كل مكان على وجه البسيطة من يوم خلق الله - عز وجل - آدم - عليه السلام - من أين جئت أنا ؟ وإلى أين أسير ؟ ما هو مصيري ؟ وما هو مسيري الذي أتجه فيه ؟ وما هي الغاية التي من أجلها خُلقت ، ولأجلها بُعثت ؟ ولا بد من هذه المقدمة قبل أن أشرع في الحديث عن العبادة تأصيلاً لغوياً واصطلاحياً .

أقول : أما السؤال الأول : من أنا ؟ أو من أين أنا ؟ فهوة عقدة العقد عند الماديين الملحدين في كل زمان ومكان أن يجيبوا أو أن يطرحوا على أنفسهم هذا السؤال ، من أين ؟ من الذي خلقني ؟ ومن الذي أوجدني ؟ هؤلاء الذين لا يؤمنون إلا بما تقع عليه الحواس أي : إلا بما تراه الأعين فهو يؤمن بهذا المصباح الذي يراه بعينه منيراً مضيئاً ، لكنه في الوقت ذاته يغض الطرف عن تيار كهربائي لا يراه بعينه الذي هو سر إضاءة هذا المصباح!! فهو مادي أعمى لا يؤمن إلا بما تراه عينه حتى لو كذبه عقله ، هؤلاء يتخذون منطق العقل فى رؤسهم - زعموا - دليلاً على الوصول إلى الحق والحقيقة ، ويصرون في عمى عجيب على أن هذا الكون بما فيه ومن فيه وُجِدَ وحده ، وكل ما في هذا الكون من إحكام وترتيب إنما هو صنع المصادفة العمياء !!

أما الذين يستجيبون لنداء الفطرة في كل زمان ومكان ، فهؤلاء يقرون حتماً بأن لهذا الكون إله ورباً حكيماً عظيماً جل جلاله ، تتجه قلوبهم إليه - سبحانه وتعالى - بالتعظيم، والرجاء ، والخشية ، والتفويض ، والتوكل ، والإنابة والعبادة بصفة عامة، يشعرون بخالق هذا الكون ويتجهون إليه سبحانه بفطرهم السليمة النقية التي لم تعكرها الماديات والشبهات والشهوات ، قال تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30]

لكن هذا الصوت - أعني صوت الفطرة - قد يخفت في قلب وعقل إنسان ، أو قد يكبت هذا الصوت صاحبه عمداً ، نعم عمداً عن كبر ، فالمشركون ما أنكروا هذه الحقيقة ، ما أنكروا أن الله - عز وجل - هو الخالق بل كفروا به - سبحانه وتعالى - كبراً وعناداً ، إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35]

قال تعالى وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14]

فهؤلاء يقرون بهذه الحقيقة لكنهم قد يرفضونها كبراً وعناداً - وركزوا معي جيداً ، فهذا كلام مهم جداً - فالفطرة قد تخفت في قلب وعقل إنسان عن قصد ، وعن عمد من صاحبه ، فإذا نزلت بهذا الإنسان نفسه أزمة أو أحداث مريرة أو مشكلة واهتز هذا الإنسان أمام هذه الأزمة وهذه الشدة وخاب أمله في كل الناس من حوله تراه ينطلق مرة أخرى مستجيباً لهذا الصوت الذي يعلو في أعماقه ، ألا وهو صوت الفطرة فيتجه مرة أخرى رغم أنفه لله - جل وعلا- .

تدبر معي هذا الحوار النفيس الجميل ، فلقد سأل رجل الأمام جعفر الصادق عن الله ، فاقل له جعفر : ألم تركب البحر ؟‍! فقال : بلى . فقال جعفر : فهل حدث لك مرة أن هاجت بكم ريح عاصفة ؟! قال : نعم قال جعفر : وأنقطع أملك من الملاحين ووسائل النجاة ؟ قال : نعم ، قال : فهل خطر في بالك وانقدح في نفسك أن هناك من يستطيع أن ينجيك إن شاء ؟‍! قال : نعم ، قال : هذا هو الله - سبحانه وتعالى - .

وهذه الحقيقة تثبتها آيات كثيرة جداً في القرآن ، تدبر معي قول الله تعالى : وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً وقوله تعالى وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [يونس:12] .

وقوله تعالى : وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [لقمان:32]

وقال تعالى : وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ … [الإسراء:67] ولا حول ولا قوة إلا بالله .. هذه طبيعة !! قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ  الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [ الانفطار: 6-8 ] .

فإذا كان منطق الفكرة يهدى الله تعالى ، والفطرة ليست وجداناً خالصاً ، بل وليست عقلاً خالصاً ، ولكنها مزيج بين الوجدان - أى القلب - والعقل .

أقول مع ذلك ، فإن العقل السوي فقط يرى الإيمان بالله تعالى ضرورة لا يستطيع الإنسان على الإطلاق أن يعيش بدونها ، فإن العقل بغير تعلم ، وبغير اكتساب يؤمن حتماً بقانون السببية ، هذه الورقة فى يدى الآن تهتز لسبب ، هذا هو قانون السببية ، لأننى أحركها ، فالعقل بدون تعلم وبدون اكتساب يؤمن بقانون السببية ، يؤمن بهذا القانون إيمانه بكل البدائيات والأولويات التي لا تحتاج إلى دليل ، يعني لا يبنبغي لعاقل إذا رأى الشمس ساطعة فى أفق السماء أن يقول : ما هو الدليل على أن الشمس طالعة ؟ بل يجب أن يسأل : ما هو الدليل على وجود عقله فلى رأسه ؟ هكذا الذى دخل يوماً على طلابه وأراد بهذا القانون أن يثبت الضد ، فقال لهم : يا أولاد هل ترون أستاذكم ؟ قالوا : نعم ، فقال : هل ترون السبورة التى أكتب لكم عليها ؟ قالوا : نعم ، قال : هل ترون الكرسي الذي أجلس عليه ؟ قالوا : نعم ، وتدرج بهذه الأسئلة إلى أن قال : هل ترون الله ؟
قالوا : لا ، قال : إذاً غير موجود !! فقيض الله تلميذاً صغيراً من تلاميذه ، فاستأذن أستاذه ووقف إلى جواره ، واتجه التلميذ إلى زملائه وقال : يا أخواني هل ترون عقل الأستاذ ؟ قالوا : لا ، قال : إذاً غير موجود !!
فالعقل بدون تعلم وبدون اكتساب يؤمن بقانون السببية إيمانه بالأمور الأولية الابتدائية التي لا تحتاج إلى دليل على وجودها ، فلا يقبل أبداً العقل السوي فعلاً بغير فاعل أبدً ، ولا يقبل العقل السوي صنعاً بغير صانع .

وهذا القانون هو الذى عبر عنه الأعرابى الأول ببساطة شديدة حيث لم يتخرج فى جامعة من الجامعات ، وأن شئت فقل ما تخرج إلا من جامعة الفطرة ، حينما سئل عن الله - عز وجل - فقال بعقله الذى آمن بقانون السببية البدائى هذا فقال : البعرة تدل على البعير ، وأثر السير يدل على المسير ، سماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير ؟.
هذا هو القانون ببساطة شديدة ، هذا هو الذي عبر عنه الإمام أحمد – إمام أهل السنة طيب الله ثراه - حينما أمسك البيضة يوماً ، وقال : هذا حصن حصين أملس ليس له باب ، وليس له نفذ ، كالفضة البيضاء ، وباطنه كالذهب الإبريز ، وبينما هو كذلك إذا أنصدع جدراه ، وخرج منه ***** سميع بصير ، ذو شكل حسن ، وصوت مليح !!
هذا هو القانون الذى عبر عنه الإمام الشافعى ححينما أمسك ورقة التوت يوماً فقال : ورقة التوت تأكلها الغزالة فتعطينا مسكا ، وتأكلها الشاة فتعطينا لبناً ، وتأكلها دودة القز فتعطينا حريراً !!
إن الطعام واحد ، ولو كانت الأمور بالمصادفة العمياء ، لكانت عصارة الطعام للطعام الواحد واحدة ، ولكنها كانت فى الشاة لبناً ، وكانت في الغزالة مسكاً ، وكانت فى الدودة حريراً ، أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .

يقول عالم الطبيعة المشهور إسحاق نيوتن : لا تَشُكٌوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن تكون المصادفات وحدها هي قاعدة هذا الوجود !!
ليس ممكناً أبداً أن تكون الصدفة هي التي خلقت هذا الوجود بهذا الإبداع ، والجلال ، والجمال .

والله العظيم لو نظر عالم من هؤلاء العلماء الذين لا يؤمنون بالله ، والله لو نظر إلى كوز الذرة لَوَحّد الله وعبده ، هذه الحبات اللؤلؤية البيضاء كيف رُصَّتُ على القولحة بهذا الجمال والإتقان والتناسق والإبداع ، والله لو أنصف لوحد الله وعبده .
يقول سبنسر نقلاً عن عالم أخر يقال له هرشل : إن العالم الذي يري قطرة الماء فيعلم أنها تتركب من الأكسجين والهيدروجين بنسبة خاصة (ذرة أكسجين ، وذرتين هيدروجين) ، بحيث لو اختلفت هذه النسبة لكانت شيئاً أخر غير الماء يعتقد في عظمة الخالق وقدرته وحكمته وعلمه الواسع بصورة هى أقوى وأعظم من هذا الذي لا يرى في قطرة الماء إلا أنها نقطة ماء فحسب !!.
فالعالم الذي يدرك الحقائق ينظر إلى هذه الآية فيزداد إيماناً بالله سبحانه وتعالى فيختلف عن إيمان العبد الذي ينظر إلى قطرة الماء على أنها قطرة ماء .

يقول فرنسيس بيكون : إن القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد .
فهذه الفلسفة طريق للإلحاد . ، والعجيب أنهم كانوا يدرسون لنا في الثانوية قاعدة تقول : (أنا أشك إذاً أنا موجود) ولو صدقوا لقولوا : (أنا أشك إذاً أنا دبوس) لكن ما هي علاقة الشك بالوجود ؟ أي أنه بدأ حياته بالشك إبتداءً ، والشك لا يمكن أبداً أن يوصل إلى حقيقة مطلقة أبداً ، بل إن عصفت رياح الشكوك بالقلوب ضل الخلق ، ولذلك ربنا - سبحانه وتعالى - يصف المؤمنين بأن رياح الشك لا تهب ولا تعصف بقلوبهم أبداً إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15]
أى : لم يتشككوا ، إن من يبدأ بالشك لكي يصل إلى الحقيقة : هذا إضلال لعقول أبنائنا وأولادنا ، وكم من الناس من اقتنع بهذه النظريات الفلسفية الباهتة الفارغة ، التي يغني بطلانها من إبطالها ، لكننا وبكل أسف كنا نسلم القلوب والعقول لهؤلاء على أنهم لا ينطقون عن الهوى ، فإذا جاء القول من عالم غربي سلمنا العقل والقلب وكأنه لا يخطئ!!
ثم جاء بعد ذلك صنف خبيث ممن ينسبون إلى الإسلام في بلاد المسلمين ضخموا ، ونفخ فيهم ليكونوا شيئاً مذكوراً وهم في الحقيقة كالطبل الأجوف ، يُسمَعُ من بعيد وباطنه من كل الخيرات خالٍ .

يقول فرنسيس بيكون : (( إن القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد ولكن التعمق فيها - تعمق العقل في هذه الأشياء بإنصاف - ينتهي بالعقول إلى الإيمان ذلك لأن عقل الإنسان قد يقف عندما يصادفه من أسباب ثانوية مبعثرة هنا ينكر فلا يتابع السير إلى ما وراءها ولكنه إذا أمعن النظر شهد سلسة الأسباب كيف تتصل حلقاتها لا يجد بداً من التسليم بالله سبحانه وتعالى .
هذه شهادة أولئك الذين رسخوا في علم الكون - الطبيعة والفيزياء - وأنا لا أريد أن أستطرد في أقوالهم ، أنا لا استشهد بأقوال أهل العلم من علماء الطبيعة ، والجيولوجيا ، والفلك ، والرياضيات على صحة وصدق قول الله وقول الرسول لا ، ولا أستشهد بالنظريات العلمية على صدق كلام رب البرية وكلام سيد البشرية ، إنما أثبت للناس ممن -وبكل أسف - يصدقون ما يأتي به الغرب أكثر من تصديقهم لكتاب الله ، بل أشد من تصديقهم لكلام الله ورسوله ، نعم هذا صنف موجود أنا لا أبالغ ، ولا أغالي ، ولا أجيش العواطف بكلام فارغ أجوف ورحم الله وتعالى القائل :
لله فى الأفاق أيات
ولعل ما فى النفس من آياته
الكون مشحون بأسرار إذا
قل للطبيب تخطفته يد الردى
قل للمريض نجا وعُوفي بعدما
قل الصحيح مات لا من علة
بل سائل الأعمى خطى وسط الزحام بلا
بل سائل البصير كان يحذر حفرة
وسل الجنين يعيش معزولاً بلا راع
وسل الوليد بكى وأجهش بالبكاء
وإذ ترى الثعبان ينفث سمه
وأسأله كيف تعيش يا ثعبان
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت
بل سائل اللبن المصفى من بين فرث
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا
وإذا رأيت النبت فى الصحراء يربو
لعل أقلها هو ما إليه هداك ؟!
عجب عجاب لوترى عيناك
حاولت تفسيراً لها أعياك
يا شافى الأمراض من أرداك ؟!
عجزت فنون الطب من عفاك ؟!
من يا صحيح بالمنايا دهاك ؟!
اصطدام من يا أعمى يقود خطاك؟!
فهوى بها من ذا الذي أهواك ؟!
ومرعى من ذا الذي يرعاك ؟!
لدى الولادة ما الذي أبكاك ؟!
فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك ؟!
أو تحيا وهذا السم يملأ فاك
شهداً وقل للشهد من حلاك ؟!
ودم من ذا الذي صفاك ؟!
ميت فاسأله من أحياك ؟!
وحدة فاسأله من أحياك ؟!
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى
وإذا رأيت البدر يسرى ناشراً
وإذا ترى الجبل الشم مناطحاً قمم
وإذا رأيت النار شب لهيبها

فسأله من يا نخل شق نواك ؟!
أنواره فسأله من أسراك ؟!
السحاب فسله من أرساك ؟!
فسأل لهيب النار من أوراك ؟!
هذا جواب على سؤالنا الأول من أنا ؟