الاثنين، 6 مايو 2013

من أنا

بســــــــــــــم الله الـــــــــــرحمن الـــــــــــرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من أنا

 

  من أنا ؟!! والجواب بالتفصيل لأهمية الجواب على هذا السؤال أؤصله بمقدمة مهمة جداً بين يدي الجواب ، وأستهل هذه المقدمة بهذه الكلمات :
أقول : إن كل جهل مهما عظمت نتائجه قد يغفر ، إلا أن يجهل الإنسان خالقه سبحانه وتعالى ، وسر وجوده ، والغاية التي من أجلها خُلق ، فالجهل فى جانب العقيدة لا يغتفر ، وهو أن يجهل الإنسان خالقه ، وأن يجهل الإنسان الغاية التي من أجلها خُلق ، فأكبر عار على هذا الإنسان الذي آتاه الله - عز وجل - العقل والإرادة وميزه على سائر المخلوقات في الكون أكبر عار عليه أن يعيش غافلاً عن الله ، فيأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام ، لا يفكر في خالق ، ولا يبحث عن غاية ، ولا عن الوظيفة الذي من أجلها خُلق ولها ابتعث ، ولا يبحث عن طبيعة دوره في هذه الأرض ، حتى يأتيه الأجل والموت ، دون أن يستعد لهذا اليوم فيجنى ثمرة الغفلة والجهل والانحراف في عمره الطويل أو القصير ، وحينئذ يندم يوم لا ينفع الندم ، وهو بين يدي الله تبارك وتعالى يرى نفسه أخس من البهائم وال*****ات ، فإن البهائم وال*****ات كلها عرفت ربها وسجدت له ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَـا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ، وقال تعالى في شأن
هذا الصنف الذي هو أخس من البهائم ، الذي يجهل خالقه ، ويجهل غاية وجوده وسر ابتعاثه في هذه الأرض قال تعالى : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ تدبر القول بعد ذلك أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ هذا الصنف الخبيث الذي يقول قائله :

جئت لا أعلم من أين ؟ ولكني أتيت .. ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت وسأمضي في طريقي شئت هذا أم أبيت ..كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي ؟ لست أدري !! بهيمة ، نعم بهيمة ، لا يعرف خالق ، ولا يعرف غاية وسر وجوده في هذه الأرض كما قال الله- عز وجل- وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ فأي جهل أبشع وأفظع من أن يجهل الإنسان الذي يتعالى بعقله ، ويتعالى بإبداعاته المادية ، أي جهل من أن يجهل ربه وخالقه الذي خلقه وبعثه وأوجده - سبحانه وتعالى - هذا هو الجهل الذي لا يغتفر .
لهذا كان لزاماً على كل إنسان عاقل أن يبادر ويسأل نفسه هذا السؤال : لماذا خُلقت؟، وما هي الغاية التي من أجلها خُلقت ؟ وحتماً قبل طرح هذين السؤالين ، لا بد وأن تطرح على نفسك من أنا ؟ من أوجدني ؟ من خلقني ؟ تسأل نفسك أيضاً إلى أين ؟ وما المصير ؟ وإلى أين أسير ؟ لا بد أن تطرح على نفسك هذه الأسئلة لتتعرف على الغاية التي من أجلها خُلقت ، فإن عرفت من خالقك ، وعرفت الغاية التي من أجلها من أجلها خُلقت ، حينئذٍ ستعرف من أنت ، وستعرف مصيرك ومسيرك ، فلا بد من الإجابة على هذه الأسئلة من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ أي : ولماذا خُلقت ؟

هذه هي الأسئلة التي صاحبت الإنسان في كل فترات حياته ، وفي كل مكان وجد فيه ؟ وهي تطلب من أي إنسان الجواب الشافي لها في كل مرحلة من مراحل العمر ، وفي كل مكان على وجه البسيطة من يوم خلق الله - عز وجل - آدم - عليه السلام - من أين جئت أنا ؟ وإلى أين أسير ؟ ما هو مصيري ؟ وما هو مسيري الذي أتجه فيه ؟ وما هي الغاية التي من أجلها خُلقت ، ولأجلها بُعثت ؟ ولا بد من هذه المقدمة قبل أن أشرع في الحديث عن العبادة تأصيلاً لغوياً واصطلاحياً .

أقول : أما السؤال الأول : من أنا ؟ أو من أين أنا ؟ فهوة عقدة العقد عند الماديين الملحدين في كل زمان ومكان أن يجيبوا أو أن يطرحوا على أنفسهم هذا السؤال ، من أين ؟ من الذي خلقني ؟ ومن الذي أوجدني ؟ هؤلاء الذين لا يؤمنون إلا بما تقع عليه الحواس أي : إلا بما تراه الأعين فهو يؤمن بهذا المصباح الذي يراه بعينه منيراً مضيئاً ، لكنه في الوقت ذاته يغض الطرف عن تيار كهربائي لا يراه بعينه الذي هو سر إضاءة هذا المصباح!! فهو مادي أعمى لا يؤمن إلا بما تراه عينه حتى لو كذبه عقله ، هؤلاء يتخذون منطق العقل فى رؤسهم - زعموا - دليلاً على الوصول إلى الحق والحقيقة ، ويصرون في عمى عجيب على أن هذا الكون بما فيه ومن فيه وُجِدَ وحده ، وكل ما في هذا الكون من إحكام وترتيب إنما هو صنع المصادفة العمياء !!

أما الذين يستجيبون لنداء الفطرة في كل زمان ومكان ، فهؤلاء يقرون حتماً بأن لهذا الكون إله ورباً حكيماً عظيماً جل جلاله ، تتجه قلوبهم إليه - سبحانه وتعالى - بالتعظيم، والرجاء ، والخشية ، والتفويض ، والتوكل ، والإنابة والعبادة بصفة عامة، يشعرون بخالق هذا الكون ويتجهون إليه سبحانه بفطرهم السليمة النقية التي لم تعكرها الماديات والشبهات والشهوات ، قال تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30]

لكن هذا الصوت - أعني صوت الفطرة - قد يخفت في قلب وعقل إنسان ، أو قد يكبت هذا الصوت صاحبه عمداً ، نعم عمداً عن كبر ، فالمشركون ما أنكروا هذه الحقيقة ، ما أنكروا أن الله - عز وجل - هو الخالق بل كفروا به - سبحانه وتعالى - كبراً وعناداً ، إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35]

قال تعالى وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14]

فهؤلاء يقرون بهذه الحقيقة لكنهم قد يرفضونها كبراً وعناداً - وركزوا معي جيداً ، فهذا كلام مهم جداً - فالفطرة قد تخفت في قلب وعقل إنسان عن قصد ، وعن عمد من صاحبه ، فإذا نزلت بهذا الإنسان نفسه أزمة أو أحداث مريرة أو مشكلة واهتز هذا الإنسان أمام هذه الأزمة وهذه الشدة وخاب أمله في كل الناس من حوله تراه ينطلق مرة أخرى مستجيباً لهذا الصوت الذي يعلو في أعماقه ، ألا وهو صوت الفطرة فيتجه مرة أخرى رغم أنفه لله - جل وعلا- .

تدبر معي هذا الحوار النفيس الجميل ، فلقد سأل رجل الأمام جعفر الصادق عن الله ، فاقل له جعفر : ألم تركب البحر ؟‍! فقال : بلى . فقال جعفر : فهل حدث لك مرة أن هاجت بكم ريح عاصفة ؟! قال : نعم قال جعفر : وأنقطع أملك من الملاحين ووسائل النجاة ؟ قال : نعم ، قال : فهل خطر في بالك وانقدح في نفسك أن هناك من يستطيع أن ينجيك إن شاء ؟‍! قال : نعم ، قال : هذا هو الله - سبحانه وتعالى - .

وهذه الحقيقة تثبتها آيات كثيرة جداً في القرآن ، تدبر معي قول الله تعالى : وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً وقوله تعالى وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [يونس:12] .

وقوله تعالى : وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [لقمان:32]

وقال تعالى : وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ … [الإسراء:67] ولا حول ولا قوة إلا بالله .. هذه طبيعة !! قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ  الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [ الانفطار: 6-8 ] .

فإذا كان منطق الفكرة يهدى الله تعالى ، والفطرة ليست وجداناً خالصاً ، بل وليست عقلاً خالصاً ، ولكنها مزيج بين الوجدان - أى القلب - والعقل .

أقول مع ذلك ، فإن العقل السوي فقط يرى الإيمان بالله تعالى ضرورة لا يستطيع الإنسان على الإطلاق أن يعيش بدونها ، فإن العقل بغير تعلم ، وبغير اكتساب يؤمن حتماً بقانون السببية ، هذه الورقة فى يدى الآن تهتز لسبب ، هذا هو قانون السببية ، لأننى أحركها ، فالعقل بدون تعلم وبدون اكتساب يؤمن بقانون السببية ، يؤمن بهذا القانون إيمانه بكل البدائيات والأولويات التي لا تحتاج إلى دليل ، يعني لا يبنبغي لعاقل إذا رأى الشمس ساطعة فى أفق السماء أن يقول : ما هو الدليل على أن الشمس طالعة ؟ بل يجب أن يسأل : ما هو الدليل على وجود عقله فلى رأسه ؟ هكذا الذى دخل يوماً على طلابه وأراد بهذا القانون أن يثبت الضد ، فقال لهم : يا أولاد هل ترون أستاذكم ؟ قالوا : نعم ، فقال : هل ترون السبورة التى أكتب لكم عليها ؟ قالوا : نعم ، قال : هل ترون الكرسي الذي أجلس عليه ؟ قالوا : نعم ، وتدرج بهذه الأسئلة إلى أن قال : هل ترون الله ؟
قالوا : لا ، قال : إذاً غير موجود !! فقيض الله تلميذاً صغيراً من تلاميذه ، فاستأذن أستاذه ووقف إلى جواره ، واتجه التلميذ إلى زملائه وقال : يا أخواني هل ترون عقل الأستاذ ؟ قالوا : لا ، قال : إذاً غير موجود !!
فالعقل بدون تعلم وبدون اكتساب يؤمن بقانون السببية إيمانه بالأمور الأولية الابتدائية التي لا تحتاج إلى دليل على وجودها ، فلا يقبل أبداً العقل السوي فعلاً بغير فاعل أبدً ، ولا يقبل العقل السوي صنعاً بغير صانع .

وهذا القانون هو الذى عبر عنه الأعرابى الأول ببساطة شديدة حيث لم يتخرج فى جامعة من الجامعات ، وأن شئت فقل ما تخرج إلا من جامعة الفطرة ، حينما سئل عن الله - عز وجل - فقال بعقله الذى آمن بقانون السببية البدائى هذا فقال : البعرة تدل على البعير ، وأثر السير يدل على المسير ، سماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير ؟.
هذا هو القانون ببساطة شديدة ، هذا هو الذي عبر عنه الإمام أحمد – إمام أهل السنة طيب الله ثراه - حينما أمسك البيضة يوماً ، وقال : هذا حصن حصين أملس ليس له باب ، وليس له نفذ ، كالفضة البيضاء ، وباطنه كالذهب الإبريز ، وبينما هو كذلك إذا أنصدع جدراه ، وخرج منه ***** سميع بصير ، ذو شكل حسن ، وصوت مليح !!
هذا هو القانون الذى عبر عنه الإمام الشافعى ححينما أمسك ورقة التوت يوماً فقال : ورقة التوت تأكلها الغزالة فتعطينا مسكا ، وتأكلها الشاة فتعطينا لبناً ، وتأكلها دودة القز فتعطينا حريراً !!
إن الطعام واحد ، ولو كانت الأمور بالمصادفة العمياء ، لكانت عصارة الطعام للطعام الواحد واحدة ، ولكنها كانت فى الشاة لبناً ، وكانت في الغزالة مسكاً ، وكانت فى الدودة حريراً ، أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .

يقول عالم الطبيعة المشهور إسحاق نيوتن : لا تَشُكٌوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن تكون المصادفات وحدها هي قاعدة هذا الوجود !!
ليس ممكناً أبداً أن تكون الصدفة هي التي خلقت هذا الوجود بهذا الإبداع ، والجلال ، والجمال .

والله العظيم لو نظر عالم من هؤلاء العلماء الذين لا يؤمنون بالله ، والله لو نظر إلى كوز الذرة لَوَحّد الله وعبده ، هذه الحبات اللؤلؤية البيضاء كيف رُصَّتُ على القولحة بهذا الجمال والإتقان والتناسق والإبداع ، والله لو أنصف لوحد الله وعبده .
يقول سبنسر نقلاً عن عالم أخر يقال له هرشل : إن العالم الذي يري قطرة الماء فيعلم أنها تتركب من الأكسجين والهيدروجين بنسبة خاصة (ذرة أكسجين ، وذرتين هيدروجين) ، بحيث لو اختلفت هذه النسبة لكانت شيئاً أخر غير الماء يعتقد في عظمة الخالق وقدرته وحكمته وعلمه الواسع بصورة هى أقوى وأعظم من هذا الذي لا يرى في قطرة الماء إلا أنها نقطة ماء فحسب !!.
فالعالم الذي يدرك الحقائق ينظر إلى هذه الآية فيزداد إيماناً بالله سبحانه وتعالى فيختلف عن إيمان العبد الذي ينظر إلى قطرة الماء على أنها قطرة ماء .

يقول فرنسيس بيكون : إن القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد .
فهذه الفلسفة طريق للإلحاد . ، والعجيب أنهم كانوا يدرسون لنا في الثانوية قاعدة تقول : (أنا أشك إذاً أنا موجود) ولو صدقوا لقولوا : (أنا أشك إذاً أنا دبوس) لكن ما هي علاقة الشك بالوجود ؟ أي أنه بدأ حياته بالشك إبتداءً ، والشك لا يمكن أبداً أن يوصل إلى حقيقة مطلقة أبداً ، بل إن عصفت رياح الشكوك بالقلوب ضل الخلق ، ولذلك ربنا - سبحانه وتعالى - يصف المؤمنين بأن رياح الشك لا تهب ولا تعصف بقلوبهم أبداً إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15]
أى : لم يتشككوا ، إن من يبدأ بالشك لكي يصل إلى الحقيقة : هذا إضلال لعقول أبنائنا وأولادنا ، وكم من الناس من اقتنع بهذه النظريات الفلسفية الباهتة الفارغة ، التي يغني بطلانها من إبطالها ، لكننا وبكل أسف كنا نسلم القلوب والعقول لهؤلاء على أنهم لا ينطقون عن الهوى ، فإذا جاء القول من عالم غربي سلمنا العقل والقلب وكأنه لا يخطئ!!
ثم جاء بعد ذلك صنف خبيث ممن ينسبون إلى الإسلام في بلاد المسلمين ضخموا ، ونفخ فيهم ليكونوا شيئاً مذكوراً وهم في الحقيقة كالطبل الأجوف ، يُسمَعُ من بعيد وباطنه من كل الخيرات خالٍ .

يقول فرنسيس بيكون : (( إن القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد ولكن التعمق فيها - تعمق العقل في هذه الأشياء بإنصاف - ينتهي بالعقول إلى الإيمان ذلك لأن عقل الإنسان قد يقف عندما يصادفه من أسباب ثانوية مبعثرة هنا ينكر فلا يتابع السير إلى ما وراءها ولكنه إذا أمعن النظر شهد سلسة الأسباب كيف تتصل حلقاتها لا يجد بداً من التسليم بالله سبحانه وتعالى .
هذه شهادة أولئك الذين رسخوا في علم الكون - الطبيعة والفيزياء - وأنا لا أريد أن أستطرد في أقوالهم ، أنا لا استشهد بأقوال أهل العلم من علماء الطبيعة ، والجيولوجيا ، والفلك ، والرياضيات على صحة وصدق قول الله وقول الرسول لا ، ولا أستشهد بالنظريات العلمية على صدق كلام رب البرية وكلام سيد البشرية ، إنما أثبت للناس ممن -وبكل أسف - يصدقون ما يأتي به الغرب أكثر من تصديقهم لكتاب الله ، بل أشد من تصديقهم لكلام الله ورسوله ، نعم هذا صنف موجود أنا لا أبالغ ، ولا أغالي ، ولا أجيش العواطف بكلام فارغ أجوف ورحم الله وتعالى القائل :
لله فى الأفاق أيات
ولعل ما فى النفس من آياته
الكون مشحون بأسرار إذا
قل للطبيب تخطفته يد الردى
قل للمريض نجا وعُوفي بعدما
قل الصحيح مات لا من علة
بل سائل الأعمى خطى وسط الزحام بلا
بل سائل البصير كان يحذر حفرة
وسل الجنين يعيش معزولاً بلا راع
وسل الوليد بكى وأجهش بالبكاء
وإذ ترى الثعبان ينفث سمه
وأسأله كيف تعيش يا ثعبان
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت
بل سائل اللبن المصفى من بين فرث
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا
وإذا رأيت النبت فى الصحراء يربو
لعل أقلها هو ما إليه هداك ؟!
عجب عجاب لوترى عيناك
حاولت تفسيراً لها أعياك
يا شافى الأمراض من أرداك ؟!
عجزت فنون الطب من عفاك ؟!
من يا صحيح بالمنايا دهاك ؟!
اصطدام من يا أعمى يقود خطاك؟!
فهوى بها من ذا الذي أهواك ؟!
ومرعى من ذا الذي يرعاك ؟!
لدى الولادة ما الذي أبكاك ؟!
فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك ؟!
أو تحيا وهذا السم يملأ فاك
شهداً وقل للشهد من حلاك ؟!
ودم من ذا الذي صفاك ؟!
ميت فاسأله من أحياك ؟!
وحدة فاسأله من أحياك ؟!
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى
وإذا رأيت البدر يسرى ناشراً
وإذا ترى الجبل الشم مناطحاً قمم
وإذا رأيت النار شب لهيبها

فسأله من يا نخل شق نواك ؟!
أنواره فسأله من أسراك ؟!
السحاب فسله من أرساك ؟!
فسأل لهيب النار من أوراك ؟!
هذا جواب على سؤالنا الأول من أنا ؟

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق