قال النووي رحمه الله تعالى في الأربعين النووية الحديث السادس والثلاثون، عن أبى هريرة عن النبي قال: { من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم } والكرب يعني: الشدة والضيق والضنك، والتنفيس معناه: إزالة الكربة ورفعها، وقوله: { من كرب الدنيا } يعم المالية والبدنية والأهلية والفردية والجماعية.
{ نفس الله عنه } أي: كشف الله عنه وأزال.
{ كربة من كرب يوم القيامة } ولا شك أن كرب يوم القيامة أعظم وأشد من كرب الدنيا، فإذا نفس عن المؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
{ ومن يسر على معسر } أي: سهل عليه وأزال عسرته.
{ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة } وهنا صار الجزاء في الدنيا والآخرة وفي الكربكربة من كرب يوم القيامة ؛ لان كرب يوم القيامة عظيمة جدا.
{ ومن ستر مسلماً } أي: ستر عيبه سواء أكان خلقيا أو خلقيا أودينيا أو دنيويا إذا ستره وغطاه حتى لا يتبن للناس.
{ ستره الله في الدنيا والآخرة } أي: حجب عيوبه عن الناس في الدنيا والآخرة.
ثم قال كلمة جامعه مانعة قال: { والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه } أي: أن الله تعالى يعين الإنسان على قد معونته أخيه كما وكيفا وزمنا، فما دام الإنسان في عون أخيه فالله في عونه، وفي حديث آخر: { من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته }.
و قوله: { من سلك طريقا يلتمس فيع علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة }
يعني: من دخل طريقا وصار فيه يلتمس العلم والمراد به العلم الشرعي، سهل
الله له به طريقا إلى الجنة، لان الإنسان علم شريعة الله تيسر عليه سلوكها،
ومعلوم أن الطريق الموصل إلى الله هو شريعته، فإذا تعلم الإنسان شريعة
الله سهل الله له به طريقا إلى الجنة.
{ وما اجتمع قوم قي بيت من بيوت الله } المراد به المسجد فإن بيوت الله هي المساجد، قال الله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36]، وقال تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [البقرة:114] ... فأضاف المساجد إليه؛ لأنها موضع ذكره.
قوله: { يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم } يتلونه: يقرءونه ويتدارسونه أي: يدرس بعضهم على بعض.
{ إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة } نزلت عليهم السكينة يعني: في قلوبهم وهي الطمأنينة والاستقرار، وغشيتهم الرحمة: غطتهم وشملتهم.
{ وحفتهم الملائكة } صارت من حولهم. { وذكرهم الله فيمن عنده } أي: من الملائكة.
{ ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه } أي: من تأخر من أجل عمله السيئ فإن نسبه لا يغنيه ولا يرفعه ولا يقدمه والنسب هوالانتساب إلى قبيلة ونحو ذلك.
في هذا الحديث فوائد : الترغيب في تنفيس الكرب عن المؤمنين لقوله : { من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة }.
ومن فوائده: الإشارة الى يوم القيامة وأنها ذات كرب وقد بين ذلك الله تعالى في قوله:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ
شَيْءٌ عظيم * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا
أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ
سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2،1].
ومن فوائد هذا الحديث: تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة ؛ لأنه يقوم فيه الناس من قبورهم لرب العالمينو يقام فيه العدل و يقوم الأشهاد .
ومن فوائد الحديث: الترغيب في التيسير على المعسرين لقوله : { من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخره }
والتيسير على المعسر يكون بحسب عسرته؛ فالمدين مثلا الذي ليس عنده مالا
يوفي به يكون التيسيرعليه إما بإنظاره ، و إما بإبرائه و إبراؤه أفضل من
إنظاره ، و التيسير على من أصيب بنكبة أن يعان في هذه النكبة و يساعد و
تهون عليه المصيبة و يعود بالأجر و الثوابوغير ذلك ، المهم أن التيسير يكون
بحسب العسرة التي أصابت الإنسان.
ومن فوائد هذا الحديث: الترغيب في سترالمسلم لقوله : { من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة }
والمراد بالستر: هو إخفاء العيب، ولكن الستر لا يكون محمودا إلا إذا كان
فيه مصلحة ولم يتضمن مفسده، فمثلا المجرم إذا أجرم لا نستر عليه إذا كان
معروفا بالشر والفساد، ولكن الرجل الذي يكون مستقيما في ظاهره ثم فعل ما لا
يحل فهنا قد يكون الستر مطلوبا؛ فالستر ينظر فيه إلى المصلحة، فالإنسان
المعروف بالشر والفساد لا ينبغي ستره، والإنسان المستقيم في ظاهره ولكن جرى
منه ما جرى هذا هو الذي يسن ستره.
ومن فوائد الحديث: الحث على عون العبد المسلم وأن الله تعالى يعين المعين حسب إعانته لأخيه لقوله : { والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه } وهذه الكلمة يرويها بعض الناس: ما دام العبد ولكن الصواب ما كان العبد في عون أخيه كما قال .
ومن فوائد الحديث: الحث على طلب العلم لقوله : { من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة } وقد سبق في الشرح معنى الطريق وأنه قسمان حسي ومعنوي.
ومن فوائد الحديث: فضيلة اجتماع الناس على قراءة القران لقوله: { وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله }.
ومن فوائد الحديث: أن حصول هذا الثواب لا يكون إلا إذا اجتمعوا في بيت الله أي: في مسجد من المساجد لينالوا بذلك شرف المكان لأن أفضل البقاع مساجدها.
ومن فوائد الحديث: بيان حصول هذا الأجر العظيم تنزل عليهم
السكينة وهي الطمأنينة القلبية وتغشاهم الرحمة أي: تغطيهم وتحفهم الملائكة
أي: تحيط بهم من كل جانب ويذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة لأنهم يذكرون
الله تعالى عن ملأ، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: { من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم }.
من فوائد الحديث: أن النسب لا ينفع إذا لم يكن العمل الصالح لقوله: { من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه }.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن لا يغتر بنفسه وأن يهتم بعمله الصالح حتى ينال به الدرجات العلى.
(968 كلمة)إعراب الحديث : { من } : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ، خبره الجملة الشرطية بعده . { نفَّس } : فعل ماضٍ مبني على الفتح في محل جزم جواب الشرط . والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو . {عن مؤمن } : جار ومجرور متعلقان بـ نفًس . {كربة} : مفعول به منصوب . {من كرب} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب صفة لكربة ، وهو مضاف . { الدنيا} : مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة المقدرة منع من ظهورها التعذر . { نفّس } : جواب الشرط مبني على الفتح في محل جزم . {الله} : فاعل مرفوع . {عنه } : جار ومجرور متعلقان بـ نفس . {كربة من كرب} : تعرب كالسابق . {يوم } : مضاف إليه مجرور وهو مضاف القيامة مضاف إليه مجرور . {ومن يسّر على معسر} : تعرب إعراب من نفس عن مؤمن . { يسّر الله عليه } : تعرب إعراب نفس الله عنه . {في الدنيا} : جار ومجرور متعلقان بـ يسر . {والآخرة } : معطوفة على الدنيا تعرب إعرابها . { ومن } : ستر تعرب إعراب من نفس . {مسلماً} : مفعول به منصوب . { ستره} : تعرب إعراب نفّس الثانية . والهاء ضمير مبني على الضم في محل نصب مفعول به . {الله} : فاعل مرفوع . {في الدنيا والآخرة} : تعرب إعراب في الدنيا والآخرة السابقة . {والله} : {الواو } : استئنافية . {الله} : مبتدأ مرفوع علامة رفعه الضمة . { في عون} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ، وجملة المبتدأ والخبر استئنافية ، لا محل لها من الإعراب . {ما} : مصدرية . {كان}: فعل ماضٍ ناقص تؤول بمصدر (مدة كون) . {العبد} : اسم كان مرفوع علامة رفعه الضمة . {في عون } : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر كان . وهو مضاف . {أخيه } : مضاف إليه مجرور علامة جره الياء وهو مضاف. الهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة . {و} : حرف عطف . { من سلك طريقاً} : تعرب إعراب مَنْ نفَّس كربةً . { يلتمس} : فعل مضارع مرفوع علامة رفعه الضمة والفاعل مستتر جوازاً تقديره هو والجملة في محل نصب حال . { فيه} : جاران ومجروران متعلقان بيلتمس . { علماً} : مفعول به منصوب . { سهّل } : تعرب إعراب نفّس الثانية . {الله} : فاعل مرفوع علامة رفعه الضمة . {له به } : جار ومجرور متعلقان بسهل . {طريقاً} : مفعول به منصوب علامة نصبه الفتحة . {إلى الجنة} : جار ومجرور متعلقان بـ{طريقاً } والجار والمجرور في محل نصب صفة لطريق . { و} : حرف عطف . {ما } : حرف نفي . { اجتمع} : فعل ماضٍ مبني على الفتح . {قوم} : فاعل مرفوع . { في بيت من بيوت } : جار ومجرور متعلقان باجتمع وبيوت مضاف . {الله} : مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة ، وجملة { من بيوت الله} : في محل جر صفة لبيت . {يتلون} : فعل مضارع مرفوع علامة رفعه ثبوت النون والواو ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل ، وجملة يتلون في محل نصب حال من قوم .
{كتاب} : مفعول به منصوب علامة نصبه الفتحة . وهو مضاف . { الله }: مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة . {يتدارسونه } : تعرب إعراب يتلون ، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به . { بينهم} : بين ظرف مكان منصوب وهو مضاف وهم ضمير مبني على السكون في محل جر بالإضافة ، والظرف متعلق بمحذوف حال من الضمير في يتدارسون . { إلا } : حرف تحقيق بعد النفي ، ويجوز إعرابها أداة استثناء والجملة الفعلية بعدها في محل نصب على الاستثناء المنقطع . { نزلت } : فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء للتأنيث . {عليهم } : جار ومجرور متعلقان بــ نزلت . {السكينة} : فاعل مرفوع . {و} : حرف عطف . {غشيتهم} : غشي فعل ماضٍ مبني على الفتح ، التاء للتأنيث ، { الهاء } : ضمير مبني على السكون في محل نصب مفعول به . {الرحمة}: فاعل مرفوع علامة رفعه الضمة ، {وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله} : تعرب إعراب الجملة السابقة . { فيمن}: جار ومجرور متعلقان بــ ذكر . {عنده }. ظرف مكان منصوب على الظرفية وهو مضاف الهاء ضمير مبني على الضم في محل جر بالإضافة . { و} : حرف عطف . {من بطأ } : من اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ، والجملة بعده في محل رفع خبر . {بطأ} : فعل ماضٍ مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط . { عمله} : فاعل مرفوع علامة رفعه الضمة وهو مضاف الهاء ضمير مبني على الضم في محل جر بالإضافة . { لم يسرع}: لم أداة جزم يسرع فعل مضارع مجزوم علامة جزمه السكون ، والجملة في محل جزم جواب الشرط . { به }: جار ومجرور متعلقان بــ يسرع . { نسبه} : تعرب إعراب {عمله} .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق