السبت، 31 مارس 2012

الحديث السابع والعشرون من أحاديث الأربعين النووية

بســم الله الرحــمن الرحـــيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  الأربعون النووية
 الحديث السابع والعشرون: تعريف البر والإثم

عن النَّوَّاسِ بنِ سِمْعانَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: {الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ , وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عليْهِ النَّاسُ}.
وعن وابِصَةَ بنِ مَعْبَدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ:( أتيتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقالَ: { جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ } قُلْتُ: نَعَمْ.
قالَ: { اسْتَفْتِ قَلْبَكَ؛ الْبِرُّ مَا اطْمَأنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالإِثْمُ مَا حَاكََ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ}
). حَديثٌ حَسَنٌ رُوِّينَاهُ في مُسْنَدَيِ الإمامَيْنِ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ والدَّارِمِيِّ بإسنادٍ حَسَنٍ.



عن النواس بن سمعان عن النبي قال: { البر حسن الخلق } البر كلمة تدل على الخير وكثرة الخير، وحسن الخلق يعني أن يكون الإنسان واسع البال منشرح الصدر والسلام مطمئن القلب حسن المعاملة، فيقول عليه الصلاة والسلام: { إن البر حسن الخلق } فإذا كان الإنسان حسن الخُلق مع الله ومع عباد الله حصل له الخير الكثير وانشرح صدره للإسلام واطمأن قلبه بالإيمان وخالق الناس بخلق حسن، وأما الإثم فبيّنه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه: { ما حاك في نفسك } وهو يخاطب النواس بن سمعان، والنواس ابن سمعان صحابي جليل فلا يحيك في نفسه ويتردد في نفسه ولا تأمنه النفس إلا ما كان إثماً ولهذا قال: { ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس } وأما أهل الفسق والفجور فإن الآثام لا تحيك بنفوسهم ولا يكرهون أن يطلع عليها الناس بل بعضهم يتبجح ويخبر بما يصنع من الفجور والفسق، ولكن الكلام مع الرجل المستقيم فإنه إذا هم بسيئة حاك ذلك في نفسه وكره أن يطلع الناس على ذلك، وهذا الميزان الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام إنما يكون مع أهل الخير والصلاح.
ومثل الحديث عن وابصة بن معد قال: أتيت النبي فقال: { جئت تسأل عن البر؟ } قلت: نعم، قال: { استفت قلبك } يعني لا تسأل أحداً واسأل قلبك واطلب منه الفتوى { البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب }، فمتى وجدت نفسك مطمئنة وقلبك مطمئن إلى شيء فهذا هو البر فافعله { والإثم ما حاك نفسك } في النفس وتردد في الصدر، فإذا رأيت هذا الشيء حاك في نفسك وتردد في صدرك فهو إثم، قال: { وإن أفتاك الناس وأفتوك } يعني إن أفتاك الناس بأنه ليس فيه إثم وأفتوك مرة بعد مرة، وهذا يقع كثيراً تجد الإنسان يتردد في الشيء ولا يطمئن إليه ويتردد فيه ويقول له الناس: هذا حلال وهذا لابأس به، لكن لم ينشرح صدره بهذا ولم تطمئن إليه نفسه فيقال: مثل هذا إنه إثم فاجتنبه.
ومن فوائد هذا الحديث والذي قبله: فضيلة حسن الخلق حيث فعل النبي حسن الخلق هو البر.
ومن فوائده أيضاً: أن ميزان الإثم أن يحيك بالنفس ولا يطمئن إليه القلب.
ومن فوائده: أن المؤمن يكره أن يطلع الناس على عيوبه بخلاف المستهتر الذي لا يبالي، فإنه لا يهتم إذا اطلع الناس على عيوبه.
ومن فوائدها: فراسة النبي حيث أتى إليه وابصة فقال: { جئت تسأل عن البر ؟ }.
ومن فوائدها: إحالة حكم الشيء إلى النفس المطمئنة التي تكره الشر وتحب الخير، لقوله: { البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب }.
ومن فوائد الحديثين أيضاً: أن الإنسان ينبغي له أن ينظر إلى مايكون في نفسه دون ما يفتيه الناس به فقد يفتيه الناس الذين لا علم لهم بشيء لكنه يتردد فيه ويكرهه فمثل هذا لا يرجع إلى فتوى الناس وإنما يرجع إلى ما عنده.
ومن فوائدهما: أنه متى أمكن الاجتهاد فإنه لايعدل إلى التقليد لقوله: { وإن أفتاك الناس وأفتوك }.

 (477 كلمة)


 إعراب الحديث :
{ البر } : مبتدأ مرفوع علامة رفعه الضمة . { حُسن } : خبر مرفوع وهو مضاف . { الخلق } : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة . {و} : حرف استئناف . {الإثم } : مبتدأ مرفوع علامة رفعه الضمة . { ما } : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر ، والجملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب . {حاك } : فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو . والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب . { في نفسك } : في حرف جر نفس اسم مجرور وعلامة جره الكسرة ، وهو مضاف . الكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة . { وكرهت } : { و } : حرف عطف . {كره } : فعل ماضٍ مبني على السكون ؛ لاتصاله بتاء الفاعل. التاء ضمير متكلم مبني على الفتح في محل رفع فاعل . {أن} : مصدرية ناصبة تنصب الفعل المضارع . { يطلع } : فعل مضارع منصوب علامة نصبه الفتحة ، ويؤول بمصدر (اطلاع ) مفعول به . { عليه } : جار ومجرور متعلقان بــ يطلع . {الناس} فاعل مرفوع علامة رفعه الضمة .
* حديث وابصة رضي الله عنه :
{ قال } : سبق إعرابها . { أتيت } : إعرابها إعراب كرهت . { رسول } : مفعول به منصوب علامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف . { الله } مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة . صلى الله عليه وسلّم سبق إعرابها . { فقال } : {الفاء} : حرف عطف { قال } : تكرر إعرابها . {جئت} : إعراب أتيت. {تسأل} : فعل مضارع مرفوع علامة رفعه الضمة ، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت والجملة في محل نصب حال . { عن } حرف جر {البر} اسم مجرور علامة جره الكسرة . {قلت} : إعراب أتيت نعم حرف جواب {قال} : سبق إعرابها . {استفتِ } : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة . والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت . {قلبك} : { قلب } : مفعول به منصوب علامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف . { الكاف } : ضمير مخاطب مبني على الفتح في محل جر بالإضافة . { البر } : مبتدأ . { ما } : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر . { اطمأنت } : فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء للتأنيث والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب . { إليه } : إلى حرف جر . { الهاء } ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر . والجار والمجرور متعلقان باطمأن . {النفس} : فاعل مرفوع علامة رفعه الضمة. {واطمأن} : { و } :حرف عطف اطمأن فعل ماضٍ مبني على الفتح إليه كما سيق القلب يعرب إعراب النفس . {والإثم ما حاك } : تعرب إعراب الأولى . { في النفس } : جار ومجرور متعلقان بحاك . { و } : حرف عطف . { تردد } : فعل ماضٍ مبني على الفتح . { 
 } : جار ومجرور متعلقان بـ تردد . { و } : حرف عطف . { إن } : أداة شرط جازمة . {أفتاك} : { أفتى } : فعل ماضٍ مبني على فتح مقدر منع من ظهوره التعذر . {الكاف} : ضمير خطا ب مبني على الفتح في محل نصب مفعول به . { الناس } : فاعل مرفوع علامة رفعه الضمة . وحرف عطف . { أفتوك } : أفتى فعل ماضٍ مبني على الفتح . { الواو } : ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل . وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله . 

الحديث السادس والعشرون من أحاديث الأربعين النووية

بســم الله الرحــمن الرحـــيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  الأربعون النووية
 الحديث السادس والعشرون: كثرة طرق الخير

عَنْ أَبي هُريرة رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ , وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ }.
رواه البخاريُّ ومسلِمٌ.

 

 

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { كل سُلامى من الناس صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس } كل سُلامى أي كل عضو ومفصل من الناس عليه صدقة { كل يوم تطلع فيه الشمس } أي صدقة في كل يوم تطلع فيه الشمس فقوله { كل سُلامى } مبتدأ و { عليه صدقة } جملة خبر المبتدأ { وكل يوم } ظرف، والمعنى أنه كلما جاء يوم صار على كل مفصل من مفاصل الإنسان صدقة يؤديها شكراً لله تعالى على نعمة العافية وعلى البقاء ولكن هذه الصدقة ليست صدقة المال فقط بل هي أنواع.
{ تعدل بين اثنين صدقة } أي تجد اثنين متخاصمين فتحكم بينهما بالعدل فهذه صدقة وهي أفضل الصدقات لقوله تبارك وتعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ... [النساء:114]
{ وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة } وهذا أيضاً من الصدقات أن تُعين أخاك المسلم في دابته إما أن تحمله عليها إن كان لا يستطيع أن يحمل نفسه أو ترفع له على دابته متاعه يعني - عفشه - هذا أيضاً لأنها إحسان والله يحب المحسنين.
{ والكلمة الطيبة صدقة } الكلمة الطيبة، كل كلمة تقرب إلى الله كالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقراءة القران وتعليم العلم، وغير ذلك كل كلمة طيبة فهي صدقة.
{ وبكل خطوة تخطوها إلى الصلاة فإنها صدقة } وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن الإنسان إذا توضأ في بيته وأسبغ الوضوء ثم خرج من بيته إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط بها خطيئة.
{ وتميط الأذى عن الطريق صدقة } إماطة الأذى يعني إزالة الأذى عن الطريق، والأذى ما يؤذي المارة من ماء أو حجر أو زجاج أو شوك أوغير ذلك وسواء أكان يؤذيهم من الأرض أو يؤذيهم من فوق كما لو كان هناك أغصان شجرة متدلية تؤذي الناس فأماطها فإن هذه صدقة.
وفي هذا الحديث فوائد منها:
1 - أن كل إنسان عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس على عدد مفاصله وقد قيل إن المفاصل ثلاثمائة وستون مفصلاً –والله أعلم.
2 - أن كلما يقرب إلى الله من عبادة وإحسان إلى خلقه فإنه صدقة، وما ذكره النبي فهو أمثلة على ذلك وقد جاء في حديث آخر: { أن يجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى }.

(384 كلمة)

إعراب الحديث :
{ كل } : مبتدأ مرفوع علامة رفعه الضمة ، وهو مضاف . { سلامى }: مضاف إليه مجرور علامة جره الفتحة المقدرة ممنوع من الصرف ؛ لأنه مختوم بألف التأنيث الممدودة . { من الناس } : جار ومجرور في محل جر صفة لـ { سلامى } . {عليه} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم . { صدقة } : مبتدأ مؤخر مرفوع علامة رفعه الضمة . والجملة من المبتدأ والخبر خبر المبتدأ الأول . {كل}: ظرف منصوب على الظرفية وهو مضاف . { يوم } : مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة . { تطلع } : فعل مضارع مرفوع علامة رفعه الضمة . { فيه } : في حرف جر الهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر . { الشمس } : فاعل مرفوع علامة رفعه الضمة . { تعدل } : فعل مضارع مرفوع علامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت . { بين } : ظرف مكان منصوب على الظرفية وهو مضاف . { اثنين } : مضاف إليه مجرور علامة جره الياء ؛ لأنه ملحق بالمثنى . {صدقة } : خبر مرفوع علامة رفعه الضمة . والمبتدأ مؤول من الفعل تعدل أي عدلك . {تعين الرجل} : تعرب إعراب تطلع الشمس . { في } : حرف جر . {دابته} : { دابة} : اسم مجرور علامة جره الكسرة ، وهو مضاف ، والهاء ضمير مبني على الكسر في محل جر بالإضافة . { فتحمله } : الفاء عاطفة . { تحمله } : فعل مضارع مرفوع علامة رفعه الضمة . والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت . والهاء ضمير مبني على الضم في محل نصب مفعول به . {عليها } : على حرف جر الهاء ضمير مبني على السكون في محل جر والجار والمجرور متعلقان بــ تحمل . {أو} : حرف عطف ترفع تعرب إعراب تعين . {له} : جار ومجرور متعلقان بترفع . {عليها } : إعراب له . {متاعه} : متاع مفعول به منصوب علامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف . والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة . {صدقة} : كما سبق. {و} : حرف عطف الكلمة . مبتدأ مرفوع علامة رفعه الضمة . { الطيبة } : صفة مرفوعة . { صدقة } كما سبق . { و } : حرف عطف . {بكل} : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ، وهو مضاف . {خطوة } : مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة . {تمشيها } : { تمشي } : فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها الثقل والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت والهاء ضمير مبني على السكون في محل نصب مفعول به . { إلى } : الصلاة جار ومجرور متعلقان بـتمشـي . { صدقة } : كما سبق . {و} : حرف عطف . { تميط } : إعراب تعدل . {الأذى } : مفعول به منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهرها التعذر . { عن الطريق } : جار ومجرور متعلقان بــ تميط . { صدقة } : كما سبق . 

 

الجمعة، 30 مارس 2012

الحديث الخامس والعشرون من أحاديث الأربعين النووية

بســم الله الرحــمن الرحـــيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الحديث الخامس والعشرون: فضل الذكر

عن أبي ذَرٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحابِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، ويَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، ويَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَموالِهِم. قالَ: { أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ، إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ}. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ أَجْرٌ؟ قالَ: { أَرَأيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ}).
رواه مُسلِمٌ.



يعني بالإضافة إلى الحديث السابق القدسي أن أناساً من أصحاب رسول الله قالوا للنبي { يا رسول الله } وهؤلاء فقراء، قالوا: { يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور } يعني أهل الأموال ذهبوا بالأجور، يعني اختصموا بها.
{ يُصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم } فهم شاركوا الفقراء في الصلاة والصوم وفضولهم في الصدقة.
قال النبي : { أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون... } إلخ.
لما اشتكى الفقراء إلى رسول الله أنه ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما يصلون ويصومون كما يصومون ويتصدقون بفضول أموالهم يعني والفقراء لا يتصدقون. بيّن لهم النبي الصدقة التي يطيقونها فقال: { أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به، إن لكم بكل تسبيحة صدقة } يعني أن يقول الإنسان سبحان الله صدقة { وبكل تكبيره صدقة } يعني إذا قال: ( الله أكبر ) فهذه صدقة { وكل تحميده صدقة } يعني إذا قال: ( الحمد لله ) فهذه صدقة { وكل تهليلة صدقة } يعني إذا قال: ( لا إله إلا الله ) فهذه صدقة { وأمر بالمعروف } يعني إذا أمر شخصاً أن يفعل طاعة فهذه صدقة { ونهي عن منكر } يعني إذا نهى شخصاً عن منكر فإن ذلك صدقة { وفي بضع أحدكم صدقة } يعني إذا أتى الرجل زوجته فإن ذلك صدقة وكل له فيها أجر ذكروا ذلك لتقرير قوله { وفي بضع أحدكم صدقة } وليس للشك في هذا، لأنهم يعلمون أن ما قاله النبي فهو حق لكن أرادوا أن يقرروا ذلك فقالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ ونظير ذلك قول زكريا عليه السلام: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ [آل عمران:40] ... أراد أن يقرر ذلك ويثبته مع أنه مصدق به.
قال: { أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ } والجواب: نعم يكون عليه وزر قال: { فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر } وهذا القياس سمونه قياس العكس يعني كما أن عليه وزراً في الحرام يكون له أجراً في الحلال فقال { فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر }.
في هذا الحديث من الفوائد:
حرص الصحابة رضي الله عنهم على السبق إلى الخيرات.
ينبغي للإنسان إذا ذكر شيئاً أن يذكر وجهه لأن الصحابة رضي الله عنهم لما قالوا: ( ذهب أهل الدثور بالأجور ) بيّنوا وجه ذلك فقالوا: ( يصلون كما نصلي... ) إلخ.
أن كل قول يقرب إلى الله تعالى فهو صدقة كالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكله صدقة.
الترغيب في الإكثار من هذه الأذكار، لأن كل كلمة منه تعتبر صدقة تقرب المرء إلى الله عزوجل.
أن الاكتفاء بالحلال والحرام يجعل الحلال قربة وصدقة لقوله : { وفي بضع أحدكم صدقة }.
جواز الاستثبات في الخبر ولو كان صادراً من صادق لقولهم: ( أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ ).
حسن تعليم الرسول بإيراد كلامه على سبيل الاستفهام حتى يقنع المخاطب بذلك ويطمئن قلبه، وهذا قوله عليه الصلاة والسلام حين سئل عن بيع الرطب بالتمر: { أينقص إذا جف؟ } قالوا: نعم، فنهى عن ذلك.

 (517 كلمة)إعراب الحديث :
{ أنّ } حرف توكيد ونصب . {ناساً} اسم أن منصوب وعلامة نصبه الفتحة . { من } حرف جر . { أصحاب } اسم مجرور علامة جره الكسرة وهو مضاف . {رسول } : مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة ، وهو مضاف . { الله } مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة وشبه الجملة في محل نصب صفة لـ {ناساً}. { صلى الله عليه وسلم } سبق إعرابها . { قالوا } : { قال } : فعل ماضٍ مبني على الضم ؛ لاتصاله بواو الجماعة. والواو ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل. { للنبي } جار ومجرور متعلقان بـ(قالوا) صلى الله عليه وسلّم . { يا رسول الله } : { يا } حرف نداء . { رسول } منادى منصوب مضاف . { الله } مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة . {ذهب} : فعل ماضٍ مبني على الفتح. { أهل } : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة ، وهو مضاف . { الدثور } مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة. {بالأجور} : جار ومجرور متعلقان بـ(ذهب) . { يصلون } : فعل مضارع مرفوع علامة رفعه ثبوت النون والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل . { كما } : الكاف حرف جر . { ما } مصدرية . { نصلي } فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها الثقل والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره نحن والجملة تؤول بمصدر تقديره كـ(صلاتنا) مجرور بحرف الجر (الكاف) . {ويصومون } كما نصوم تعرب إعراب الجملة السابقة . { و } : حرف عطف . { يتصدقون } تعرب إعراب يصلون { بفضول }جار ومجرور متعلقان بـ(يتصدقون) وهو مضاف . {أموالهم}: { أموال } : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة و وهو مضاف . { هم } : ضمير مبني على السكون في محل جر بالإضافة . والقطعة من قولهم : (ذهب) إلى (أموالهم) في محل نصب مقول القول . { قال } : فعل ماضٍ مبني على الفتح . {أو} : الهمزة للاستفهام والواو عاطفة . { ليس } : فعل ماضٍ ناقص واسمها ضمير الشأن أي أليس الشأن أن الله قد جعل . . إلخ
ويكون تقدير المعطوف والمعطوف عليه كما يلي : أنّ ما عدد من النعم من فضل الله عليهم و أنّ من فضل الله عليكم أن قد جعل لكم ما تصدقون به .
{ قد }: حرف تحقيق جعل فعل ماضٍ مبني على الفتح . { الله } : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة . { لكم } : جار ومجرور متعلقان بــ(جعل) . {ما} : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به . { تصدقون } : إعراب يصلون . { إنّ } : حرف توكيد ونصب . { لكم } : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم . { بكل } : جار ومجرور . { تسبيحة } : مضاف إليه مجرور. { صدقة } : اسم إنّ مؤخر منصوب وعلامة نصبه الفتحة من (وكل تكبيرة) (صدقة) الرابعة تعرب كما سبق . { و } : حرف عطف . { أمر } معطوف على كل الأولى مجرور . {بالمعروف } : جار ومجرور متعلقان بأمر . { صدقة } : مبتدأ مؤخر مرفوع خبره (بكل أمر) . { ونهي عن منكر صدقة } : تعرب إعراب الجملة السابقة . { و } : حرف عطف . { في بضع } : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وهو مضاف . { أحدكم } : مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة وهو مضاف كم ضمير مبني على السكون في محل جر بالإضافة . {صدقة} : مبتدأ مؤخر مرفوع علامة رفعه الضمة . والكلام من قوله صلى الله عليه وسلم : (أوَليس) إلى (صدقة) الأخيرة في موضع نصب مقول القول . {قالوا } : تعرب إعراب (قالوا) الأولى . {يا رسول الله} : تعرب إعراب الأولى . { أيأتي } : الهمزة للاستفهام . { يأتي } : فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها الثقل . { أحدنا } : أحد فاعل مرفوع علامة رفعه الضمة وهو مضاف . { نا } : ضمير متكلمين مبني على السكون في محل جر بالإضافة . { شهوته } : شهوة مفعول به منصوب علامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف . { الهاء } : ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة . { و } : حرف عطف . { يكون } : فعل مضارع ناقص مرفوع علامة رفعه الضمة . { له } : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر يكون مقدم . {فيها} : جار ومجرور متعلقان بـ(يكون) . {أجر} : اسم يكون مؤخر مرفوع علامة رفعه الضمة . . والجملة من يا رسول إلى أجر . في محل نصب مقول القول . قال : فعل ماضٍ أرأيتم الهمزة للتقرير في موضع الاستفهام ، الفعل رأى فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل ، والتاء ضمير مبني على الضم في محل رفع فاعل . والتاء ضمير . {التاء }: ضمير خطاب مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم للجمع . {لو} : أداة شرط غير جازمة . { وضعها } : فعل ماضٍ مبني على الفتح والهاء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به . { في حرام } : جار ومجرور متعلقان بــ(وضع) والجار والمجرور في محل نصب حال من وضع . { أكان } : الهمزة للاستفهام كان فعل ماضٍ ناقص . { عليه } : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر كان مقدم . { وزر } : اسمها مؤخر مرفوع . { فكذلك } : الفاء زائدة . {كذلك } الكاف اسم بمعنى مثل وهي مبتدأ وجملة كان وما بعدها في محل رفع خبر . {إذا} : اسم شرط خافض لشرطه منصوب بجوابه . {وضعها في الحلال}: تعرب إعراب وضعها في حرام. { كان له أجر } : تعرب إعراب كان عليه وزر. 

 

 

الحديث الرابع والعشرون من أحاديث الأربعين النووية

بســم الله الرحــمن الرحـــيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحديث الرابع والعشرون


عن أبي ذرٍّ الغِفَاريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرويه عن ربِّه عزَّ وجلّ أنَّه قالَ: { يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلاَ تَظَالَمُوا.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ , فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ.
يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ.
يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي.
يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإِنْسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ في مُلْكِي شَيْئًا.
يَا عِبَادِي، لَوْ أنَّ أوَّلَكُم وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا.
يا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ.
يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا, فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ
}. رواه مسلِمٌ.

 

عن أبي ذر الغفاري عن النبي واله وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل وهذا الحديث وأشباهه يسمى الحديث القدسي، لأنه يرويه النبي عن الله عز وجل قال: { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما } فبين الله عز وجل في هذا الحديث أنه حرم الظلم على نفسه فلا يظلم أحداً لا بزيادة سيئة ولا بنقص حسنة كما قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا [طه:112].
{ وجعلته بينكم محرماً } أي جعلت الظلم بينكم محرماً، فيحرم عليكم أن يظلم بعضكم بعضاً، ولهذا قال: { فلا تظالموا } والفاء للتفريع على ما سبق { يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم } العباد كلهم ضال في العلم وفي العمل إلا من هداه الله عزوجل وإذا كان الأمر كذلك فالواجب طلب الهداية من الله، ولهذا قال: { فاستهدوني أهدكم } أي اطلبوا مني أهدكم، والهداية هنا تشمل هداية العلم وهداية التوفيق، { يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم }، وهذه كالتي قبلها بين سبحانه وتعالى أن العباد كلهم جياع إلا من أطعمه الله ثم يطلب من عباده أن يستطعموه ليطعمهم، وذلك لأن الذي يخرج الزرع ويدر الضرع هو سبحانه وتعالى كما قال سبحانه وتعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ *لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة:63-65] ثم المال الذي يحصل بهالحرث هو لله عزوجل.
{ يا عبادي كلكم عار } أي قد بدت عورته إلا من كساه الله ويسر له الكسوة، ولهذا قال: { إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم }اطلبوا مني الكسوة أكسكم، لأن كسوة بني ادم مما أخرجه الله تعالى من الأرض، ولو شاء الله تعالى لم يتيسر ذلك.
{ يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم } وهذا كقوله في الحديث الصحيح: { كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون } فالناس يخطئون ليلاً ونهاراً أي يرتكبون الخطأ وهو مخالفة أمر الله ورسوله بفعل المحذور أو ترك المأمور، ولكن هذا الخطأ له دواء – ولله الحمد – وهو قوله: { فاستغفروني أغفر لكم } أي اطلبوا مغفرتي أغفر لكم، والمغفرة: ستر الذنب مع التجاوز عنه.
{ يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني } لأن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين ولو كفر كل أهل الأرض فلن يضروا الله شيئاً، ولو آمن كل أهل الأرضلن ينفعوا الله شيئاً، لأنه غني بذاته عن جميع مخلوقاته.
{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا } لأن طاعة الطائع إنما تنفع الطائع نفسه أما الله عزوجل فلا ينتفع بها لأنه غني عنها، فلو كان الناس كلهم على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك ملك الله شيئاً.
{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً } وذلك لأن الله غني عنا، فلو كان الناس والجن على أفجر قلب رجل مانقص ذلك من ملك الله شيئاً.
{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر } وذلك لكمال جوده وكرمه وسعة ما عنده، فإنه لو أعطى كل إنسان مسألته لم ينقصه شيئاً، وقوله: { إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر } وهذا من باب تأكيد عدم النقص، لأنه من المعلوم أن المخيط إذا دخل في البحر ثم نزع منه فإنه لا ينقص البحر شيئاً لأن البلل الذي لحق هذا المخيط ليس بشيء.

{ يا عبادي إنما أعمالكم أحصيها لكم } أي أعدها لكم وتكتب على الإنسان [ ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه } ومع هذا فإنه سبحانه يجزي الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويجزي السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح فيما دون الشرك والله أعلم.
وهذا حديث عظيم حديث أبي ذر الغفاري فيما يرويه عن النبي عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: { إني حرمت الظلم على نفسي } وقد شرحه شيخ الإسلام رحمه الله في رسالة جيدة كما شرحه ابن رجب ضمن الأحاديث الأربعين النووية.
وفيه من الفوائد: رواية النبي عن ربه وهو ما يسميه أهل العلم بالحديث القدسي.
ومن فوائده: أن الله عزوجل حرم الظلم عل نفسه لكمال عدله جل وعلا، فهو قادر على أن يظلم، قادر على أن يبخس المحسن من حسناته وأن يضيف إلى المسيء أكثر من سيئاته ولكنه لكمال عدله حرم ذلك على نفسه جل وعلا.
ومن فوائده: أن الظلم بيننا محرم وقد بين الرسول أنه يكون في الدماء والأموال والأعراض قال عليه الصلاة والسلام في مِنى يوم { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأصل في الإنسان الضلال والجهل بقوله تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل:78] وقوله في هذا الحديث: { يا عبادي كلكم ضال إلامن هديته فاستهدوني أهدكم }. والأصل فيه أيضاً الغي والظلم.
ومن فوائده: وجوب طلب الهداية من الله لقوله تعالى في الحديث { استهدوني أهدكم }.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان بل كل العباد جائعون مضطرون إلى الطعام إلا من أطعمه الله عزوجل , ويترتب على هذهالفائدة سؤال الإنسان ربه واستغناؤه بسؤال الله عن سؤال عباد الله , ولهذا قال - فاستطعموني أطعمكم - .
ومن فوائد هذا الحديث: أن العباد عراة إلا من كساه الله عزوجل ويسر له الكسوة وسهلها له، ولهذا قال: { فاستكسوني أكسكم } أي اطلبوا مني الكسوة أكسيكم، وإنما ذكر الله عز وجل العري بعد ذكر الطعام، لأن الطعام كسوة الداخل واللباس كسوة الظاهر.
ومن فوائد هذا الحديث: أن بني آدم خطاء يخطئون كثيراً في الليل والنهار، ولكن هذا الخطأ يقابله مغفرة الله عز وجل لكل ذنب، وأن الله يغفر الذنوب جميعاً، كما قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53]، ويترتب على هذا أن الإنسان يعرف قدر نفسه، فكلما أخطأ استغفر الله عز وجل.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الذنوب مهما كثرت فإن الله تعالى يغفرها إذا استغفر الله الإنسان ربه، لقوله تعالى في الحديث القدسي: { وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفرلكم } وقوله: { يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولنتبلغوا نفعي فتنفعوني } وذلك لأن الله سبحانه وتعالى مستغن عن جميع خلقه، ومن أسمائه العزيز وهو الذي عز أن يناله ضرر، وكذلك هو الغني الحميد فلا حاجة إلى أن يسعى أحد لنفعه ولن يبلغ أحد ضرره لكمال غناه جل وعلا.
{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً } وذلك لكمال غناه عزوجل فلو كان الناس كلهم من إنس وجن على أتقى قلب رجل فأن ذلك لا يزيد من ملك الله شيئاًً.
{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً } وذلك لكمال غناه فلا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين والمقصود من هاتين الجملتين: الحث على طاعة الله عز وجل والبعد عن معصيته.
{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنكسم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر } وذلك لكمال غناه جل وعلا وسعته، فيستفاد من هذه الجملة: أن الله سبحانه وتعالى واسع الغنى والكرم وقوله: { إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر } سبق لنا أن المقصود بذلك المبالغة في أن ذلك لا ينقص من الله شيئاً.
وقوله: { يا عبادي إنما أعمالكم ...} الخ فيستفاد منها الحث على العمل الصالح حتى يجد الإنسان الخير.
ومن فوائده أيضاً: أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً.
ومن فوائده: أن العاصي سوف يلوم نفسه إذا كان في وقت لا ينفعه اللوم ولا الندم لقوله: { ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه }.


(1276 كلمة)

 إعراب الحديث :

{
يا } : حرف نداء . { عبادي } : منادى مضاف منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة المناسبة والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر . {إني } : إن حرف توكيد ونصب الياء في محل نصب اسم إنّ . { حرّمت } : فعل وفاعل في محل رفع خبر إنّ . { الظلم } : مفعول به منصوب . { على } : حرف جر . { نفسي } : اسم مجرور بكسرة مقدرة وهو مضاف والياء ضمير متصل للمتكلم في محل جر بالإضافة . {و} : حرف عطف. {جعلته}: جعل فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل والتاء ضمير متكلم مبني على الضم في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول . {بينكم } : ظرف مكان مضاف والكاف ضمير خطاب مبني على الضم في محل جر بالإضافة . { محرماً } : مفعول ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة . { فلا تظالموا } : الفاء حرف عطف يفيد الترتيب والتعقيب . { تظالموا } : فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وأصله بتائين (تتظالموا) كقوله تعالى “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعـدوان" [المائدة : 2] { يا عبادي } : سبق إعرابها . { كلكم } : كل مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة وهو مضاف والكاف ضمير خطاب مبني على الضم في محل جر بالإضافة . { ضال } : خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة . { إلا } : حرف استثناء . { من } : اسم موصول في محل نصب على الاستثناء هديته هدى فعل ماضٍ مبني على فتح مقدر منع من ظهورها التعذر . وحُرّك بالسكون لمنا سبة ضمير المتكلم ، والضمير مبني على الضم في محل رفع فاعل ، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به . { فاستهدوني } : الفاء حرف عطف . { استهدوا } : فعل أمر مبني على حذف النون والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والنون للوقاية والياء ضمير متكلم مبني على السكون في محل رفع فاعل . {أهدكم } : أهدِ فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب علامة جزمه حذف حرف العلة . والكاف ضمير مخاطبين مبني على الضم في محل نصب مفعول به . { يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته } إلى قوله تعالى { أكسكم } : تعرب إعراب { يا عبادي كلكم ضال } إلخ . { يا عبادي } : سبق إعرابها ، { إنكم } : {إنّ } : حرف توكيد ونصب الكاف ضمير مبني على الضم في محل نصب اسم إن . { تخطئون } : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والجملة في محل رفع خبر إن . {بالليل } : الباء حرف جر الليل اسم مجرور وعلامة جره الكسرة وهما متعلقان بـ (تخطئون) والنهار معطوف على الليل مجرور مثله . وجملة { بالليل والنهار } في محل نصب حال . { و } : واو الحال أنا ضمير متكلم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ . { أغفر } : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا والجملة في محل رفع خبر المبتدأ وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال . { الذنوب } : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة . {جميعاً } : حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة . { فاستغفروني أغفر } : تعرب إعراب فاستهدوني أهدكم إلا أنّ أغفر علامة جزمه السكون . {يا عبادي إنكم} : سبق إعرابها . { لن } : حرف نصب . { تبلغوا } : فعل مضارع منصوب علامة نصبه حذف النون الواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل . {ضري } : ضر مفعول به منصوب علامة نصبه فتحة مقدرة منع من ظهورها حركة المناسبة وهو مضاف والياء ضمير متكلم في محل جر مضاف إليه . {فتضروني } : الفاء حرف عطف تضروني فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء وعلامة نصبه حذف النون والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والنون للوقاية الياء ضمير مبني على السكون في محل نصب مفعول به. { و } : حرف عطف . { لن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي } : تعرب إعراب الجملة السابقة . { لو أن أولكم } : حرف شرط غير جازم وهو حرف امتناع لامتناع أن حرف توكيد ونصب أول اسم إن منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف الكاف ضمير مخاطب مبني على الضم في محل جر والميم للجمع . {و } : حرف عطف آخركم معطوف على أول منصوب مثلها الكاف والميم كما سبق ، و{إنسكم وجنكم} إعراب آخركم . { كانوا }: كان فعل ماضٍ ناقص يرفع المبتدأ وينصب الخبر الواو ضمير مبني على السكون في محل رفع اسم كان . { على } : حرف جر . { أتقى }: اسم مجرور علامة جره كسرة مقدرة منع من ظهورها التعذر وهو مضاف ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر كان . {قلب} : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة وهو مضاف رجل مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة . { واحد } : صفة مجرورة علامة جرها الكسرة . {منكم} : من حرف جر الكاف ضمير مبني على الضم في محل جر والميم للجمع والجملة في محل جر صفة لما قبلها . {ما} : نافية. {زاد} : فعل ماضٍ مبني على الفتح وهو جواب الشرط . { ذلك } : اسم إشارة مبني على الفتح في محل رفع فاعل . { في } : حرف جر . { ملكي } : اسم مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة لحركة المناسبة ومُلْك مضاف والياء ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه . { شيئاً } : مفعول به منصوب علامة نصبه الفتحة . من { يا عبادي } إلى {جنكم } الثانية تعرب كما سبق . { قاموا } : قام فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة . { و } : الواو : ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل وهو جواب الشرط . { في } : حرف جر . { صعيد } : اسم مجرور علامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلقان بـ(قاموا) . والجار والمجرور في محل نصب حال . { واحد } : صفة مجرورة لصعيد . { فسألوني } : الفاء حرف عطف سألوا إعراب قاموا والنون فيها للوقاية والياء مفعول به . { فأعطيت } : الفاء عاطفة أعطيت أعطى فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل والتاء ضمير مبني على الضم في محل رفع فاعل . { كل } : مفعول به أول وهو مضاف واحد مضاف إليه مجرور علامة جره الكسرة . { مسألته } : مفعول ثان وهو مضاف والهاء ضمير مبني على الضم في محل جر بالإضافة . { ما نقص ذلك} : إعراب ما زاد ذلك السابقة . { مما } : من حرف جر ما اسم موصول مبني على السكون في محل جر . { عندي } : عند ظرف مكان منصوب على الظرفية وهو مضاف والياء ضمير متكلم مبني على السكون في محل جر بالإضافة وشبه الجملة (الظرف) لا محل له من الإعراب صلة الموصول . {إلا} : أداة استثناء . { كما } : الكاف حرف جر ما مصدرية { ينقص } فعل مضارع مرفوع علامة رفعه الضمة ويؤول بمصدر مع ما تقديره (كنقص) . { المخيط } فاعل مرفوع علامة رفعه الضمة . { إذا } : أداة شرط غير جازمة وهي ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه . { أدخل } : فعل ماضٍ مبني على الفتح مبني للمجهول . البحر مفعول به ثان منصوب علامة نصبه الفتحة . { يا عبادي } : سبق إعرابها . { إنما } : كافة ومكفوفة . { هي } : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ . { أعمالكم } : أعمال خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة وهو مضاف والكاف ضمير مبني على الضم في محل جر بالإضافة والميم للجمع . { أحصيها } : أحصي فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها الثقل والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا والهاء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به . { لكم } : اللام حرف جر الكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل جر والميم علامة الجمع ثم حرف عطف . { أوفيكم } : أوفي فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها التعذر . والكاف ضمير خطاب مبني على الضم في محل نصب مفعول أول والميم للجمع . { إياها } : ضمير منفصل في محل نصب مفعول ثان . { فمن }: الفاء استئنافية . { من }اسم شرط مبني على السكون في محل رفع مبتدأ . { وجد } : فعل ماضٍ مبني على الفتح في محل جزم اسم الشرط والفاعل ضمير مستتر جــوازاً تقديره هو . {خيراً} : مفعول به منصوب علامة نصبه الفتحة . {فليحمد} : الفاء واقعة في جواب الشرط واللام للأمر يحمد فعل مضارع مجزوم والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو الله مفعول به منصوب علامة نصبه الفتحة والجملة الشرطية في محل رفع خبر المبتدأ . { ومن وجد } : تعرب إعراب الأولى . { غير } : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف . {ذلك} : ذا اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة ، واللام للبعد ، والكاف حرف خطاب . { فلا } : الفاء واقعة في جواب الشرط . { لا } : ناهية تجزم الفعل المضارع. { يلومن } : فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون فاعله مستتر جوازاً وحُرك بالفتح لأجل نون التوكيد . {إلا } : حرف استثناء . {نفسه} : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف والهاء مضاف إليه مبني على الضم في محل جر .

(1276 كلمة)

الأربعون النووية الحديث الثالث والعشرون: جوامع الخير

بســم الله الرحــمن الرحـــيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الحديث الثالث والعشرون: جوامع الخير


عن أبي مالكٍ الحارثِ بنِ عاصمٍ الأشْعَرِيِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ، قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: { الطُّـهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلأَُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلأَُ مَا بَيْنَ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو؛ فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا}.
رواه مسلِمٌ.

 

(653 كلمة)

عن أبي مالك - الحارث بن عاصم - الأشعري قال: قال رسول الله : { الطهور شطر الإيمان } بضم الطاء يعني الطهارة.
شطر الإيمان أي نصفه وذلك أن الإيمان تخلي وتحلي، أما التخلي فهو التخلي عن الإشراك، لأن الشرك بالله نجاسة كما قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28].
فلهذا كان الطهور شطر الإيمان، وقيل: إن معناه أن الطهور للصلاة شطر الإيمان، لأن الصلاة إيمان ولا تتم إلا بطهور... لكن المعنى الأول أحسن وأعم.
وقال: { والحمد لله تملأ الميزان } الحمد لله تعني: وصف الله تعالى بالمحامد والكمالات الذاتية والفعلية، { تملأ الميزان } أي ميزان الأعمال لأنها عظيمة عند الله عزوجل ولهذا قال النبي : { كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم }.
وقال: { سبحان الله والحمد لله } يعني الجمع بينهما { تملأ } أو قال: { تملان ما بين السماء والأرض } وذلك لعظمهما ولاشتمالهما على تنزيه الله تعالى عن كل نقص، وعلى إثبات الكمال لله عزوجل، ففي التسبيح تنزيه الله عن كل نقص، وفي الحمد وصف الله تعالى بكل كمال، فلهذا كانتا تملان ما بين السماء والأرض.
ثم قال: { والصلاة نور } يعني: أن الصلاة نور في القلب وإذا استنار القلب استنار الوجه، وهي كذلك نور يوم القيامة قال تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ... [الحديد:12]. وهي أيضاً نور بالنسبة للاهتداء والعلم وغير ذلك من كلما فيه النور.
وقال: { والصدقة برهان } أي دليل على صدق صاحبها، وأنه يحب التقرب إلى الله وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس ولا يصرف المحبوب إلا في محبوب أشد منه حباً وكل إنسان يبذل المحبوب من أجل الثواب المرتجى وهو برهان على صحة إيمانه وقوة يقينه.
قال: { والصبر ضياء } الصبر أقسامه ثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر على معصية الله، وصبر على أقدار الله.
وقال: { ضياء } نوراً مع حرارة كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً [يونس:5].
والشمس فيها النور والحرارة، والصبر كذلك لأنه شاق على النفس فهو يعاني كما يعاني الإنسان من الحرارة ومن الحار.
وقال أيضاً: { والقرآن حجة لك أو عليك } والقرآن حجة لك، أي عند الله عزوجل أو حجة عليك ...
فإن عملت به كان حجة لك، وإن أعرضت عنه كان حجة عليك، ثم بين النبي أن كل الناس يغدون، أي يذهبون الصباح إلي أعمالهم.
وقال: { فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها } كل الناس يغدون ويكدحون ويتعبون أنفسهم، فمنهم من يعتق نفسه ومنم من يوبقها أي يهلكها بحسب عمله، فإن عمل بطاعة الله واستقام على شريعته فقد اعتق نفسه، أي: حررها من رق الشيطان.
ففي الحديث فوائد:
1 - الحث على الطهور وبيان منزلته من الدين، وأنه شطر الإيمان.
2 - الحث على حمد الله وتسبيحه، وأن ذلك يملأ الميزان، وأن الجمع بين التسبيح والحمد يملأ ما بين السماء والأرض.
3 - الحث على الصلاة، وأنها نور يتفرع على هذه الفائدة أنها تفتح للإنسان باب العلم والفقه.
4 - الحث على الصدقة، وبيان أنها برهان، ودليل عل صدق إيمان صاحبها.
5 - الحث على الصبر وأنه ضياء وأنه يحصل منه مشقة على الإنسان كما تحصل المشقة بالحرارة.
6 - أن القرآن حجة للإنسان أوعليه، وليس هناك واسطة بحيث لا يكون حجة للإنسان أو حجة عليه، بل إما كذا وإما كذا، فنسأل الله أن يجعله حجة لنا نافعاً لنا.
ومن فوائد الحديث: أن كل الناس لا بد أن يعملوا لقوله: { كل الناس يغدو } وثبت عن النبي أنه قال: { أصدق الأسماء حارث وهمام } لأن كل إنسان حارث وهمام.
ومن فوائد الحديث: أن العامل إما أن يعتق نفسه وإما أن يوبقها، فإن عمل بطاعة الله واجتنب معصيته فقد أعتق نفسه وحررها من رق الشيطان وإن كان الأمر بالعكس فقد أوبقها، أي أهلكها.
ومن فوائد الحديث: أن الحرية حقيقة هي: القيام بطاعة الله وليست إطلاق الإنسان نفسه ليعمل كل شيء أراده، قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
هربوا من الرق الذي خلقوا له *** وبلوا برق النفس والشيطان
فكل إنسان يفر من عبادة الله، فإنه سيبقى في رق الشيطان ويكون عابدا للشيطان.

(653 كلمة)

إعراب الحديث :
{ الطهور } : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة . { شطر } :خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة وهو مضاف . { الإيمان } : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة . { و } : حرف عطف . { الحمد لله } : هذه الجملة كلها . مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية . { تملأ } : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هي . والجملة في محل رفع خبر المبتدأ . { الميزان } : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة . {سبحان الله والحمد لله } : تعرب إعراب الحمد لله الأولى . { تملأ } : كما سبق . أو : حرف عطف . { تملآن } : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون وألف الاثنين ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل والجملة في محل رفع خبر . { ما } : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به . {بين} : ظرف مكان وهو مضاف . { السماء } : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة . { والأرض } : معطوفة على السماء تعرب إعرابها . { و } :حرف عطف . {الصلاة نور} : مبتدأ وخبر مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة . (والصدقة برهان) (والصبر ضياء) (والقرآن حجة) : ما بين الأقواس يعرب إعراب الصلاة نور . {لك أو عليك} :جار ومجرور في محل رفع صفة لـ(حجة) { كل } : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة وهو مضاف . { الناس } : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة . { يغدو } : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو والجملة في محل رفع خبر المبتدأ { فبائع } : الفاء زائدة (وهي تزاد في الخبر مطلقاً على رأي الأخفش) بائع خبر لمبتدأ محذوف . {نفسه } : نفس مفعول به منصوب وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة . { فمعتقها } : إعراب بائع والهاء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة . { أو } : حرف عطف . { موبقها } : إعراب معتقها .