الأحد، 25 مارس 2012

الحديث الثاني عشر الاشتغال بما يفيد

بســم الله الرحــمن الرحـــيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الحديث الثاني عشر
الاشتغال بما يفيد


عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعـنيه )
[حديث حسن، رواه الترمذي وغيره هكذا]


تخريج الحديث:

هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجة، واختلف أهل العلم هل هو موصول، يعني : موصول الإسناد، أو مرسل : رواه التابعي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة، يعني : الحسن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم- .

بعض أهل العلم يرجح أنه مرسل، وعلى أي حال فإسناده سواء كان مرسلاً أو كان موصولاً فهو رتبة الحسن، وهذا يعني : أقل حديث مر في الأربعين النووية بأنه ينزل عن رتبة الصحيح وفيه شك؛ لأنه موصول أو خلاف على الأصح بأنه موصول أو مرسل، لكن معناه صحيح، وحيث أن معناه صحيح يرتقي العمل به . بناء على معني الحديث من حيث إسناده ومعناه حسن.



ألفاظ الحديث:


قال : ( من حسن إسلام المرء ) يعني : من كمال إسلام المرء وتمامه


(تركه ما لا يعنيه) ما لا يعينه : ما لا يهمه من أمور دينه ودنياه.
هذا الحديث أصل في أدب التعامل مع الآخرين، وهذا الحديث من جوامع كلم النبي - صلى الله عليه وسلم - كما كان الحديث السابق ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) كما شاهدنا في الحديث السابق : كيف هاتين الكلمتين أدت إلى قواعد عظيمة في الدين، ومن ثم في التعامل, فكذلك هذا الحديث أصل في الأدب.
مسائل الحديث


المسألة الأولى :


أن الإيمان والإسلام يزيد وينقص؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من حسن إسلام المرء ) معناه أن إسلام المرء قد يكون قوياً، وقد يكون ضعيفاً، وقد يكون مرتفعاً، وقد يكون أقل ارتفاعاً، فهو ضعيف، فضعيف في دينه وفى إسلامه؛ إذا اقترف من المعاصي، وعرفنا سابقاً أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.


المسألة الثانية :

هذا الحديث يدل على أمر أيضاً في تكوين شخصية المسلم، وأن مما يربي شخصية المسلم ومما يقويها ومما يكملها ومما يرفعها إلى أعلى : الاشتغال بالمفيد، وما يعود على الإنسان بالمنفعة في دينه ودنياه، وهذا عامل من أهم العوامل لرقي شخصية المسلم .

فمثل : إنسان في الأربع وعشرين ساعة في يومه وليلته نظم وقته تمام : في الصباح يعمل كذا، في الظهر يعمل كذا، في العصر يقوم بالأعمال الآتية، وكذلك المغرب والعشاء، ويكون نظم ما يحتاج إليه من الأعمال في خلال هذه الأوقات، اشتغل بالمفيد، مثل هذا إذا جاء في نهاية الأسبوع، كم حصل من الفوائد والمنافع والآثار الإيجابية التي تعود عليه في الدنيا وفى الآخرة ؟
هل هذا يكون مثل إنسان يقضي وقته بالنوم والكسل والخمول والضعف والخور، ومن ثم يتسول للناس ويتردد على أبواب الناس ونحو ذلك؟ هذا إنسان لا قيمة له، وضيع وقته، ولم تخرج هذه الشخصية كما أرادها الله - سبحانه وتعالى -، لكن الإنسان الأول استغل قدراته العقلية، واستغل قدارته البدنية والجسمية، واستغل قدراته الذهنية، استغل المنح والعطايا التي أعطاه الله - سبحانه وتعالى - فاستثمر يومه وليلته فهذا ينتج
.


المسألة الثالثة :




بناء على ذلك يجب خصوصاً على الشاب أو الشابة أن يبحثا بمن يستخرج له مكامنه وقدراته، لكي يُفَعِّلَها، فسيجد إنسان ما قدراته تكمن في الحفظ؛ فيتسغل هذا الحفظ في حفظ القرآن، حفظ السنة، حفظ الأشعار المفيدة، حفظ الحكم، حفظ ما يحتاج إلى حفظ، تجد آخر أن قدراته تكمن في قدراته العملية، تجد آخر أن قدراته تكمن في الدقائق في الساعات الدقيقة فيستثمر ذلك، فهذا استفاد من وقته؛ لذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).


ذاك الذي يشتغل في ميكانيكا السيارات وهو يجيدها، أو يشتغل في كهرباء البيوت، أو في السباكة ويجيد صنعته، ويقضي يومه وليلته مستثمراً ذلك من غير إخلال بالواجبات الشرعية، فهذا مثاب عند الله - سبحانه وتعالى - وترتفع درجته.


لذلك من خلال هذا الحديث ينبغي على الشاب على الشابة على المسلم أياً كان أن يستثمر قدراته فيما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه.




المسألة الرابعة :


وبناء على هذا يجب على المسلم أن يحرص على ترك الأعمال والأقوال التي لا فائدة منها ولا تعود عليه بالمنفعة لا في دينه و لا في دنياه ولا في آخرته.




المسألة الخامسة :


هذا الحديث يربي في المسلم أن تكون همته عالية، فيشتغل بمعالي الأمور؛ فمثلا
الطفل لما تراه يشتغل مع الطفل الذي تكون همته عالية، تجد مثلاً طفل يأتي مع أبيه للمسجد، ويصلي بجواره في الصف الأول، فهذا همته عالية تربى على الصف الأول، ليس مثل إنسان متروك طفل يلعب في المسجد، وقد يصلي وقد لا يصلي يوهم أباه وأمه بذلك .


الشاب لما يحافظ على دراسته الثانوية أو الجامعة أو غيرها، ولا يتخلف ويواظب في كل دروسه تجد همته عالية، فيتقدم الذي يأخذ ممتاز لا يهن عليه أن يأخذ المرحلة التي بعدها جيد جداً أو جيد وهكذا .

فلذلك يجب على المسلم أن يضع له هدفاً عالياً، فإذا وصل وتحقق له ما يريد، وإلا يصل قريباً؛ ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ).
 
فوائد الإشتغال بالمفيد:


الأمرالأول : نماء الشخصية - والثقة بالنفس – والإنتاج لأن أنت اليوم ترى أنك تخرجت من المرحلة الابتدائية، ثم المتوسطة، ثم الثانوية، ثم الجامعة، فأنتجت إنتاج طيب هذا يحذو بك إلى أن تثمر؛ لتنتج في مراحلك المستقبلية، الموظف كذلك، التاجر كذلك، الصانع والمزارع كذلك، هذا الأمر الأول .
الأمر الثاني : سبب لنماء المجتمع، والمجتمع إذا لم يكن عاملاً حينئذ كان مجتمع خور وضعف، لكن إذا عمل أفراده فهذا سبب لنماء المجتمع وتقدمه وتفوقه .
الأمر الثالث : سبب للوفاق، والوئام، والتلاحم، والتعاطف، والتراحم بين الناس؛ لأن كلاً يشتغل بما يفيده ويعيد فائدته إلى الآخرين .


عواقب الإشتغال بغير المفيد:


أما إذا اشتغل الناس بغير المفيد؛ فهذا يثمر أموراً سيئة، وأمور سلبية :

· ضعف الدين · كسب السيئات والآثام · ضعف رابطة المجتمع · إيجاد البغضاء والشحناء والتحاسد بين الناس · سبب لعدم دخول الجنة؛ لأن الإنسان اشتغل بما لا يفيده بقدر اشتغاله بما لا يفيده؛ تكون نتائجه وأضراره السلبية. هذا يشتغل بالغيبة والنميمة ضر نفسه وضر غيره، هذا ضيع وقته ونام طول الليل والنهار فهذا ضيع وقته، أو نام في النهار وسهر في الليل على غير المفيد؛ فضيع قدراته، وممتلكاته، وما منحه الله - سبحانه وتعالى - من المواهب، وهذا إنسان تعامل بالحرام وضيع ماله وضيع أسرته، وهكذا .
وبهذا ننتهي من هذا الحديث، فعلينا أن نحفظ أوقاتنا، ونضع أهدافنا العالية، ونسعى إليها، وسنكسب خيراً كثيراً في الدنيا وفى الآخرة .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق