الاثنين، 26 مارس 2012

الحديث الخامس عشر حق الضيف والجار

بســم الله الرحــمن الرحـــيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


شرح الأحاديث الخامس عشر و السادس عشر


الحديث
الخامس عشر

حق الضيف والجار





عن أبي هـريـرة -رضي الله تعالى عـنه- أن رســول الله -صلي الله عـليه وسـلـم- قــال :

( مـن كـان يـؤمن بالله والـيـوم الآخـر فـلـيـقـل خـيـرًا أو لـيـصـمـت، ومـن كــان يـؤمن بالله واليـوم الآخر فـليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)
[رواه البخاري ومسلم]

تخريج الحديث:

هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري، والإمام مسلم، فالحديث متفق عليه ، عرفنا أن الحديث المتفق عليه من أعلى درجات الصحة .
ألفاظ الحديث:

(مـن كـان يـؤمن بالله، والـيـوم الآخـر) ،هذه الصيغة ترد في بعض الأحاديث، والمقصود هنا: من كان يؤمن إيماناً كاملاً، ولا يصح تقدير من كان يؤمن وضدها لا يؤمن مطلقاً؛ لأنه المقصود الإيمان الكامل .

( من كان يؤمن بالله ) :الإيمان بالله عرفناه سابقاً في حديث جبريل، وكذلك الإيمان باليوم الآخر، وعرفنا باليوم الآخر، وسبب الجمع بين الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر: أن المصدر للأفعال هو الإيمان بالله – عزّ وجلّ- ، وأن مآل هذه الأفعال: هي يوم القيامة- الإيمان باليوم الآخر- بما يحصل المرء نتيجة هذا الإيمان، وهذه الأفعال التي يفعلها في هذه الحياة،

( فليقل خيراً )، خيراً عامة: أي خير، ( أو ليصمت )، والصمت هو: السكوت عن الكلام .

( ومـن كــان يـؤمن بالله، واليـوم الآخر، فـليكرم جاره )، الجار هو:- في الأصل- الملاصق للبيت، الملاصق لبيت الإنسان.
واختلف أهل العلم في حد الجار، فمنهم من قال: ما يطلق في العرف، الجار عرفاً تقول :هذا جاري عرفاً ، و منهم من حده بأربعين بيتاً من كل جهة ، ولا شك أن كلما قرب الجار كان أولى بالحقوق من غيره .
(ومن كان يؤمن بالله، واليوم الآخر، فليكرم ضيفه .)، والإكرام سيأتينا، إكرام الجار، وإكرام الضيف، والضيف هو: القادم للإنسان من مكان بعيد يقدم إلى هذا الشخص .

هذا الحديث فيه مسائل، ومسائل مهمة، وهذه المسائل في الآداب، فهو من قواعد الآداب العامة، أو من أصول الأخلاق.
مسائل الحديث


الوحدة الأولى: ما يتعلق بالكلمة:
المسألة الأولى:

الكلمة في ميزان الله- تعالى- لها أهمية كبرى، الكلمة قد ترفع الإنسان في أعلى عليين عند الله - سبحانه وتعالى – وقد تخفضه في أسفل سافلين في الدرك الأسفل من النار. وكما أن هذا الارتفاع، وهذا الانخفاض في الآخرة، فكذلك في الدنيا، قد يقول الإنسان كلمة، فيرتفع بها في مقام أعلى في هذه الدنيا، وقد يقول كلمة فينخفض بها . إذاً، هذا اللسان له أهمية كبرى، لما يترتب عليه من آثار خطيرة في الدنيا، وفى الآخرة، في الآخرة كما عرفنا قد يرفعه إلى أعلى عليين عند الله، وينقله من النار إلى الجنة، وقد يخفضه بأن ينقله من الجنة إلى النار، بل يكون في أسفل سافلين .
المسألة الثانية:

ما هي الكلمة التي تنقل الإنسان في أعلى عليين، وما هي الكلمة التي تخفضه في أسفل سافلين ؟
من التي ترفع مكانة الإنسان في الآخرة:

كلمة التوحيد، لا إله إلا الله محمد رسول الله ، قال عنها النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما كان يدعو عمه أبا طالب قال: ( قل لي كلمة أحاج لك بها عند الله ، يا عم قل لا إله إلا الله ) ، في اللحظات الأخيرة من حياته يطلب هذه الكلمة، هذه الكلمة لو قالها لنقلته من النار إلى الجنة, قراءة كتاب اللهعزّ وجلّ – ، هذه ترفع الإنسان، وتزيده مثل: أذكار الله – سبحانه وتعالى– ، مثل الدعاء، مثل الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر باللسان، مثل الدعوة إلى الله – عزّ وجلّ –، إرشاد الضال، كذلك الدلالة على الحق في أمر من الأمور، النهي عن شيء قد يضر الإنسان، الدلالة على ما فيه مصلحة هذا الإنسان، وهكذا الكلمات كثيرة التي ترفع الإنسان.


ومن التي تخفضه إلى أسفل سافلين ما تضادها:

كلمة الشرك، عندما يشرك بالله - سبحانه وتعالى – وينطق بأن الصنم إلهه مثلاً أو بأن هذا الوثن يعبده، أو نحو ذلك من الكلمات التي تنقل الإنسان إلى أن تجعله في أسفل سافلين، وكذا كلمة النفاق، عندما يتلفظ بها مثل الاستهزاء بالله، أو بآياته، أو برسوله – صلى الله عليه وسلم -. سب الله – سبحانه وتعالى – ، أو رسوله، أو آياته، كذلك أيضاً شهادة الزور، اللعن، والسباب، والشتائم، الكذب، الغيبة، النميمة، قول الزور، الكلام بالباطل، القذف( قذف المحصنات، قذف الرجال بغير حق)، والمثال على ذلك:
ما قاله النبي – صلى الله عليه وسلم :– في أمر الغيبة،
لما أشارت إحدى زوجاته عن أخرى، أنها تغمز بها، وتتكلم عنها بصفة (فيها هي هذه الصفة)، لكن ذكرتها علي سبيل التنقص، فقال لها النبي – صلى الله عليه وسلم :– إنك قلت كلمة، لو مزجت بماء البحر لغيرته، أو لمزجته كما في بعض الروايات .

ولذلك أمر اللسان أمر مهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم – عندما أوصى معاذا في الحديث الطويل، قال في آخره: ( وكف عنك هذا، وأشار إلى لسانه)، قال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) ،


المسألة الثالثة:
إن اللسان هو المعبر عن مكنونات الإنسان، معبر عن الضمير، معبر عن الخواطر، معبر عن العلم الذي يحمله، الإنسان معبر عن العقيدة التي يتبناها، الإنسان معبر عن الأفكار الذي يقولها الإنسان؛ ولذلك في الخواطر لا يؤاخذ، لكن عندما يتكلم يؤاخذ، الخواطر كثيرة تذهب، وتجيئ. والخاطرة عفا الله عنها، لكن عند ما تنتقل هذه الخاطرة إلى أن يعبر عنها بلسانه، حينئذ يؤاخذ عليها، الإنسان يرفع بها عند الله - سبحانه وتعالى – ،أو يخفض عند الله - سبحانه وتعالى – يوم القيامة


المسألة الرابعة:

هذه الكلمة لها آثار أيضاً في حياة الإنسان، لها أثر في حياة الإنسان الدنيوية، في علاقته مع الآخرين إذا استعمل السباب، الشتائم، اللعان، الكذب، الزور، الناس كرهوه، وقطعوا العلاقة به، وحينئذ: رأوه بمنظار أسود، كل ما تكلم به لا يصدق، ويخشونه، ويتركونه اتقاء شره، وهذا من شر الناس، بينما الآخر الذي إذا قابله سلم، ثم يدعو له، إما أن يدله على خير، وإما أن يستفيد منه فائدة، وإما أن ينقل له أمراً مفيدا،ً فهذا فيه خير، ويحبه الناس .

المسألة الخامسة:

في كلام الناس الكثير الذي نسميه السواليف، هذه السواليف والقصص والأخبار، والاستمتاع بالسمر مع الأهل، والأصدقاء، مع الزملاء، قصة حدثت، حكاية، هذه في دائرة المباح، فإن انتقل هذا المباح إلى أمر خير، تأتي بالقصة فيها فوائد، فذلك خير تؤجر عليه، تأتي بالحكاية من الحكايات، تأتي بقضية حصلت فيها فائدة لك خير، فيها شر تأثم على ذلك، ما بينهما الأمر مباح، إذاً، الكلام إما أن يكون خيراً، فيجب على الإنسان أن يبادر فيه، إما أن يكون شراً فيصمت، ولا يتكلم به،إما أن يكون مباحاً، فإن كان هذا المباح فيه دلاله على خير، انتقل إلى الجانب الأول، إن كان هذا المباح فيه دلالة على الشر، انتقل إلى الجانب الثاني، إذا كان لا هذا، ولا هذا لمجرد الاستمتاع، والأخذ، والعطاء، فهذا مباح، ودائرته واسعة، لا يؤاخذ، ولا يثاب على ذلك .
المسألة السادسة:

أيهما أفضل الكلام، أم السكوت ؟

الكلام إذا كان خيراً فهو أفضل، فإن لم يكن خيراً فالسكوت أولى .
إذاً، الكلام أفضل، أو السكوت أفضل؟ إذا كان الكلام خيراً فهو أفضل مثلما قلنا في مسألة الذكر، والقرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إذا كان هذا الكلام سيؤدى إلى شر، فالسكوت أفضل؛ ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – هنا: ( فليقل خيراً، أو ليصمت ) .




المسألة السابعة:

على المسلم أن يعوِّد لسانه على الكلام الطيب، وعلى الكلام الذي فيه نفع، وفيه فائدة، و فيه دلالة على الخير، يرفعه عند الله - سبحانه وتعالى – ولا يخفضه، ومن تعود لسانه من صغره ،أو اعتمد على كلمات مشينة، أو على كلمات لا يدرك معناها، مثل: بعض العامة، قد تتعود ألسنتهم على أدعية غير مناسبة، فهل يسأل عنها، ويكف عنها ؟

يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في أمر أهمية اللسان :

( لا يستقيم إيمان العبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه. )، وإن كان هذا من حيث الإسناد فيه ضعف، إلا أن معناه كبير، وسليم .


الوحدة الثانية: نفع الآخرين


المسألة الأولى:
كل ما كان عمل الإنسان فيه نفع للآخرين، ففيه أجر عظيم عند الله - سبحانه وتعالى –؛ ولذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – هنا جاء بصيغة الأمر، فليكرم جاره، فليكرم ضيفه.

مثالين من النبي – صلى الله عليه وسلم على نفع الآخرين–:



المثال الأول : إكرام الجار




صيغ إكرام الجار كثيرة من أهمها :

عدم الإيذاء، فلا تؤذي جارك، وجاء في حديث: ( من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر، فلا يؤذي جاره ) ، ولأهمية هذا الجار بعدم الإيذاء، النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )

السلام والتحية لهذا الجار، وما يتبع السلام، والتحية، من السؤال عن حاله، فالاطلاع على أحواله العامة، صحته، مرضه، أحواله الاجتماعية، أحواله المالية، إذا كان يحتاج إلى مساعدة يساعد.
الهدية كذلك، لا يلزم أن يكون مساعدة، وإنما هدية يهدي له جاره من طعامه، من شرابه، من لباسه، من أمواله، يهدي له بما يناسب حاله .
زيارته بين الفينة والأخرى.
النصيحة، إذا كان يحتاج إلى نصيحة، إذا كان مقصر في أمر من الأمور، فمن أعظم ما يهدى لهذا الجار، هو نصيحته.
الصبر على ما يأتي من أذى، والأذى متنوع.


حقوق الجار:
إن كان قريباً لجاره، فله ثلاثة حقوق، حق القرابة، حق الجوار، حق الإسلام.

إن كان ليس قريباً، وهو مسلم فله حقان :

حق الإسلام، وحق الجوار، وإن كان الجار كافراً، فله حق واحد، وهو حق الجوار، إذاً، الجار على أي صفة من الصفات فله حق، حتى ولو كان كافراً، لا كما يظن بعض الناس، فالجار وإن كان كافراً فله حق، فإطعامه، واشرابه، بهدية له، بزيارته بالتحية له،ودعوته إلى هذا الدين بالمعاملة الحسنة معه.


المثال الثاني : إكرام الضيف

إكرام الضيف، والضيف عادة من يقبل من مكان بعيد، فله حق الإكرام، وإكرام الضيف، بإطعامه، بما يسقيه، بما يؤويه، فيكرم، فاليوم الأول بمنزلة الواجب، واليوم الثاني، والثالث بمنزلة المستحب، فإكرامه ثلاثة أيام، واليوم الرابع، صدقة من الصدقات.

المسألة الثانية:

أن المسلم كالنخلة، أينما وجدت نفعت، والنخلة كل ما فيها ينفع، ابتداء بثمرتها إلى سعفها إلى خوصها، إلى كربها، وكل ما فيها فهو نافع المسلم، كذلك كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم –، فأينما هو حي، فهو نافع للآخرين، وهو إيجابي مع الآخرين.

المسألة الثالثة:

أن الإيمان يزيد، وينقص، يزيد بالأعمال الصالحة، وينقص بالمعاصي، والسيئات.
 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق