الثلاثاء، 27 مارس 2012

الحديث السابع عشر الإحســـــان

بســم الله الرحــمن الرحـــيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته










الحديث السابع عشر
الإحســـــان


عـن أبي يعـلى شـداد بـن أوس -رضي الله تعالى عـنه- عـن رسـول الله -صلى الله عـليه وسلم- قـال : ( إن الله كتب الإحـسـان عـلى كــل شيء، فـإذا قـتـلـتم فـأحسـنوا القـتـلة، وإذا ذبـحـتم فـأحسنوا الذبحة، وليُحِدَّ أحـدكم شـفـرتـه ، ولـيـُرِحْ ذبـيـحـته ). [رواه مسلم]

تخريج الحديث:

هذا الحديث رواه الإمام مسلم، فالحديث إذن صحيح.


ألفاظ الحديث:

(إن الله كتب الإحسان) كتب بمعنى: فرض وأوجب، كتب الإحسان، الإحسان في اللغة: هو الإتقان، أما في الشرع فالمراد بما حسنه الشرع وجعله حسنا وضده القبح، والمراد بالحسن والقبح ما حسنه الشرع وما قبحه الشرع، سواء كان في نظر بعض الناس حسنا، وفي نظر بعضهم الآخر غير حسن، فالمراد تحسين الشرع، وبناء على هذا خرج معنا تحسين العقل المجرد دون الشرع، فإذا كان تحسين العقل دون أن يكون مبنيا على تحسين الشرع فلا يعتبر، بمعنى: إذا كان تحسين العقل مضادا لتحسين الشرع، إذًا الأصل هو تحسين الشرع، فالإحسان في نظر الشرع (كتب الإحسان على كل شيء) مما هو فيه نفس منفوسة حية أو مع الأشياء الأخرى.
(فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة) هذا مثال على القاعدة، القاعدة الإحسان في كل شيء، ثم مثل النبي -صلى الله عليه وسلم- (فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة) القتل في موضعه كالحرب مثلا، أو القتل حال الحد أو حال القصاص (فأحسنوا القِتلة) القِتلة بكسر القاف مصدر قتل قِتلة وصف للقتلة.

(إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) والذبحة مثل القِتلة مصدر، ثم بين النبي -صلى الله عليه وسلم- ما المراد بالإحسان في الذبح،
وذكر مثالا على ذلك وهو(وليحد أحدكم شفرته) الشفرة: هي السكين يعني الحديدة المحددة التي يذبح بها الحيوان،
(وليرح ذبيحته)عندما تكون الشفرة محدودة حينئذ أراح هذه الذبيحة.


مسائل الحديث:


المسألة الأولى الإحسان:


قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) والله -جل وعلا- يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾[نحل: 90]، إذًا الإحسان فوق مستوى العدل، فالإحسان أعلى مرتبة من العدل وكلاهما مأمور به ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾.
إذًا الإحسان مبدأ من مبادئ الدين يجب أن يتعامل به المسلم في جميع المواضع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كتب الإحسان في كل شيء),
 أنواع الإحسان:
أولا: الإحسان في التعامل مع الله -عز وجل- وسماه جبريل الإحسان في حديث جبريل المشهور، فجعل الإحسان المرتبة العليا من مراتب الدين، فلما سئل عن الإسلام وهو يمثل الأعمال الظاهرة، سئل بعد ذلك عن الإيمان -كما سبق معنا- وهو يمثل الأعمال الباطنة والاعتقاد، سئل بعد ذلك عن الدرجة العليا وهي الإحسان، والإحسان مع الله (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك) عندما يستشعر المسلم أثناء عبوديته لله -عز وجل- أنه يرى الله -عز وجل- أو أن الله يراه فوصل إلى درجة عليا من عبوديته لله -عز وجل-، فأعلى مقام العبودية أن يصل إلى هذا المستوى بحيث ينسى ما أمامه، وما خلفه، وما عن يمينه، وما عن شماله، فلا يتجه إلا لما يقوم به من العبادة: كالصلاة، والصيام، والحج حال صلاته، حال صيامه، حال حجه، حال إنفاقه، كل هذا يكون باستشعاره بأن الله يراه.

ثانيا: الإحسان مع الخلق سواء كان هؤلاء الخلق مما فيه حياة من الحيوان، أو مما ليس فيه حياة وأعلاهم الإنسان، تعامل المسلم مع الإنسان يجب أن يكون بالإحسان سواء كان هؤلاء الخلق من أقرب الأقربين أو من أبعد الأبعدين،وأقرب الأقربين هم الوالدان وإن علو، يعني: الأجداد والجدات وهكذا، فهؤلاء أقرب الأقربين يجب أن يكون التعامل معهم بالإحسان، والإحسان كما قال الله –تعالى-: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾[الإسراء: 23]، إذًا التعامل مع الوالدين يكون بالإحسان، الإحسان هنا في التعامل مع الوالدين الإحسان القولي بالكلام، الإحسان الفعلي بالخدمة والقيام بالخدمة والقيام بالحاجات، والقيام المالي: بأن يعطيهم ما يحتاجان إليه وفوق ما يحتاجان إليه.
ومع أبعد الأبعدين -مع غير المسلمين- يجب أن يكون التعامل معهم بالإحسان لماذا؟ لأن الله –تعالى- يقول: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾[البقرة:83]، والناس هل هم المسلمون فقط؟ لا، أعم. المسلمون وغير المسلمين، فهم يجب أن يعاملوا بالإحسان ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ وفي الحديث الذي سيأتينا بعد قليل (وخالق الناس بخلق حسن) إذًا حتى مع أبعد الأبعدين مع ممن لا ينتمي إليك بقرابة ولا صداقة وزمالة ولا بجيرة ولا بشيء، وإنما بعيد عنك لأي سبب من الأسباب تتعامل معه بالإحسان، وما بين هؤلاء وهؤلاء أتعامل معهم بأي شيء؟ ما بين الوالدين أقرب الأقربين، وبين هؤلاء عامة الناس أتعامل معهم بالإحسان، سواء كانوا جيران، أقارب، أصدقاء، زملاء معي في العمل، معي في البيع في الشراء، معي في أي مجال من المجالات أيا كان هؤلاء الناس أتعامل معهم بالإحسان.

ما كيفية التعامل بالإحسان مع خلق الله؟

مع النــــاس

أولا: بالقول: لا أتكلم إلا بالكلام الطيب؟ وأعلى الكلام الطيب ما هو ؟

الدعوة إلى الله من أعلى الكلام الطيب مع الناس؛ لذلك قال الله –تعالى-: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾ [فصلت: 33]،

فأعلى القول فيما بينك وبين الآخرين هو الدعوة إلى الله -عز وجل- كما أن الدعوة هي أحسن القول، فكذلك يجب أن تكون هذه الدعوة بالحسنى، كما قال الله - سبحانه وتعالى -:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾[النحل:125]

وفي المناظرة والمجادلة ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾[النحل:125]

المجادَل هنا أيا كان مسلمًا كافرًا صغيرًا كبيرًا يجب أن يكون بالحسنى، إذًا الإحسان بالقول: أولا: يجب أن يكون بالألفاظ الطيبة، بالكلام الطيب الجيد الواضح، بعدم السفسطة وعدم الوضوح، بعدم انتقاء الكلمات الغير معروفة، أن يكون بالكلام اللين بالكلام اللطيف،

كما قال الله - سبحانه وتعالى -:﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ ﴾ [آل عمران: 195]،

وقال الله - سبحانه وتعالى – لموسى وهارون في مخاطبتهم فرعون ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾[طه: 44]، إذًا المخاطبة تكون بالقول اللين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حذر من السباب والشتائم والكلام البذيء، وأخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان على خلق عظيم في قوله في أعماله.


ثانيا: بالفعل بالخدمة تعطف على الفقير على المحتاج على المسكين على اليتيم، تقوم بخدماتك للآخرين: تشفع لهذا، تقوم بخدمة هذا، ترشد هذا، تنبه هذا، كل ما تدور حوله الأفعال بما يستطيع يحسن الإنسان بفعله.


ثالثا: بالمال يشمل: الصدقة على الفقراء والمساكين، التبرعات لأهل الخير للمجالات الخيرية، الشفاعة لأحد الأوقاف الوصايا، كل ما كان فيه خدمة للآخرين يكون هذا من باب الإحسان المالي.


الإحسان إلى الحيوان


وهذا مثل به النبي -صلى الله عليه وسلم-، الإحسان إلى الحيوان مجالاته كثيرة، وليت جمعيات الرفق بالحيوان تسمع ما جعله الإسلام في التعامل مع الحيوان وهو مبدأ الإحسان، الإحسان إلى الحيوان بعدم إيذائه، بعدم تركه يجوع ويعطش، يسد جوعه يروى ظمأه؛ ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في تكريس هذا المبدأ (وفي كل كبد رطبة أجر

وفي الحديث الآخر (دخلت امرأة النار في هرة)


الهرة ما هي؟ القطة (حبستها، لا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض ) فدخلت بسببها النار، والحديث في الصحيحين. و في الحديث الآخر أن امرأة بغي دخلت الجنة بسبب كلب يلهث فسقته من الماء، في رواية أنه رجل، وفي رواية أنها امرأة دخلت الجنة، يعني، غفر الله –تعالى- لها بسبب إحسانها إلى هذا الحيوان مع أنه حيوان لا يأكل ولا يستفاد منه الفائدة الكبيرة. فإذًا الإحسان –أيضا- إلى الحيوان ألا يؤذى هذا الحيوان: يطعم، ويسقى، ولا يضرب، لا يتعدى عليه التعدي الذي يؤذيه.

الإحسان في الأشياء الأخرى


الإحسان إلى البيئةبعدم إفساد هذه البيئة، نظافة هذه البيئة، المحافظة على هذه البيئة، المحافظة على المنشآت كالمطارات مثلا الأسواق العامة الحدائق العامة أماكن جلوس الناس؛ ولذلك جاء في الأحاديث الحديث الكبير المشهور (الإيمان بضع وستون شعبة، أو بضع وسبعون شعبة: أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)

والرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر (اتقوا اللاعنين) في حديث آخر (اتقوا الملاعن الثلاثة) ذكر منها: البول، والغائط تحت الشجرة في الظل، أو البول في طريق الناس، كل ذلك من الإحسان إلى الأشياء، ومنها الإحسان إلى البيئة.

إتقان العمل، الإنسان موظف أو أجير عند مؤسسة من المؤسسات، أو يقوم بعمل من الأعمال فعليه أن يتقن عمله، فالإحسان في العمل إتقانه قال النبي –صلى الله عليه وسلم-

(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنهوالإتقان كما أشرنا قبل قليل هو الإحسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق